للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بقتلهم، وإبادتهم (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("حَتَّى تُوَافُونِي بِالصَّفَا" أي: استمرّوا على ما ذكرت لكم حتى تلقوني على جبل الصفا، وفي الرواية الأخرى: "موعدكم الصفا"، قال القرطبيّ - رحمه الله -: ظاهره أن خطابه للأنصار، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - سلك الطريق الأعلى من مكة، وسلكت الأنصار من أسفلها، حتى اجتمعوا عند الصفا.

و"الموعد" هنا: موضع الوعد، وقد يأتي كذلك في الزمان؛ كقوله تعالى: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ} [هود: ٨١]، ويأتي كذلك للمصدر، وهو في كل ذلك مكسور العين. انتهى (١).

(قَالَ) أبو هريرة - رضي الله عنه -: (فَانْطَلَقْنَا، فَمَا شَاءَ أَحَدٌ مِنَّا)؛ أي: من المسلمين، (أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا)؛ أي: من الأوباش والأتباع، (إِلَّا قَتَلَهُ) وفي الرواية الآتية: "فما أشرف أحد إلا أناموه"؛ أي: قتلوه، وأسقطوه على الأرض، (وَمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ يُوَجِّهُ إِلَيْنَا شَيْئًا)؛ أي: من السلاح ونحوه، وذلك لشدّة رعبهم، وخوفهم، والمراد: أنهم لا يقدرون على الدفاع عن أنفسهم؛ لِمَا ذُكر.

(قَالَ) أبو هريرة: (فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ) صخر بن حرب، وكان قد أسلم قبل ذلك بقليل، (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أُبِيحَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ)؛ أي: أُبيح قتلها، وفي الرواية الآتية: "أُبيدت خضراء قريش"؛ أي: أُهلكت، وأُفنيت، قال النوويّ - رحمه الله -: كذا في هذه الرواية: "أُبيحت"، وفي التي بعدها: "أُبيّدت"، وهما متقاربان؛ أي: استُؤصِلت قريش بالقتل، وأُفنيت، وخضراؤهم: بمعنى جماعتهم، ويُعَبَّر عن الجماعة المجتمعة بالسواد، والخضرة، ومنه: السواد الأعظم. انتهى (٢).

(لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ) لا يوجد أحد منهم إن استمرَّ فيها هذا الحال، وهذا صريح في أنهم أثخنوا فيهم بالقتل، وأكثروا، فهو يؤيّد رواية الطبرانيّ أن خالدًا قتل منهم سبعين.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "لا قريش بعد اليوم"؛ أي: لا وجود لقريش بعد هذا، وذلك لِمَا رأى من هول الأمر، والغلبة، والقهر، والاستطالة، والاستيلاء عليهم، وهذا الحديث لمالك نصّ على أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - دخلها عنوة،


(١) "المفهم" ٣/ ٦٣٠.
(٢) "شرح النوويّ" ١٢/ ١٢٧.