للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ضنًّا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي: بخلًا، وإخباره - صلى الله عليه وسلم - إياهم ما قالوا، معجزةٌ من معجزاته. انتهى (١).

(قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه -: (وَجَاءَ الْوَحْيُ)؛ أي: حامل الوحي، وهو الملك، وقوله: (وَكَانَ) هي شأنيّة؛ أي: الشأن والأمر (إِذَا جَاءَ الْوَحْيُ) إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لَا يَخْفَى عَلَيْنَا)؛ أي: مجيء الوحي، وفي بعض النسخ: "وكان إذا جاء لا يخفى علينا والمعنى: أن الوحي إذا نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظهر لنا نزوله؛ لأنه كان يأخذه الرحضاء، كأنما يُغشى عليه. (فَإِذَا جَاءَ)؛ أي: إذا نزل الوحي على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (فَلَيْسَ أَحَدٌ يَرْفَعُ طَرْفَهُ) بسكون الراء؛ أي: بصره للنظر (إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) من شدّة الهيبة (حَتَّى يَنْقَضِيَ الْوَحْيُ)؛ أي: ينتهي، قال: (فَلَمَّا انْقَضَى الْوَحْيُ)؛ أي: انتهى، وذهب الملك من عنده، (قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله، قَالَ: "قُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ)؛ أي: طَمَعٌ (فِي قَرْيَتِهِ")؛ أي: في سكناها، (قَالُوا)؛ أي: الأنصار (قَدْ كَانَ ذَاكَ)؛ أي: حصل هذا القول منا (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("كَلَّا)؛ أي: انزجروا من هذا القول، فـ "كلّا" هي كلمة زجر لِمَا قبلها، ويحتمل أن تكون بمعنى حقًّا، فترتبط بما بعدها.

وقال النوويّ - رحمه الله -: قوله: "وقالت الأنصار بعضهم لبعض إلى قوله: إن الله ورسوله يصدّقانكم، ويعذِرانكم": معنى هذه الجملة أنهم رأوا رأفة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بأهل مكة، وكفّ القتلَ عنهم، فظنُّوا أنَّه يرجع إلى سكنى مكة، والمقام فيها دائمًا، ويرحل عنهم، ويَهْجُر المدينة، فشقّ ذلك عليهم، وأوحى الله تعالى إليه - صلى الله عليه وسلم -، فأعلمهم بذلك، فقال لهم - صلى الله عليه وسلم -: قلتم كذا وكذا؟ قالوا: نعم، قد قلنا هذا، فهذه معجزة من معجزات النبوة، فقال: "كلا إني عبد الله ورسوله": معنى "كلّا" هنا حَقًّا، ولها معنيان: أحدهما حقًّا، والآخر النفي. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: المناسب هنا لـ"كلّا" معنيان: أحدهما الزجر، والرَّدْع؛ أي: انزجروا عما قلتم، والمعنى الثاني أن تكون بمعنى "ألا"


(١) "المفهم" ٣/ ٦٣١ - ٦٣٢.
(٢) "شرح النوويّ" ١٢/ ١٢٨.