وثَمَّ جماعة من الطُّلَقاء، فنظر بعضهم إلى بعض، فقال لهم سهيل بن عمرو: على أنفسكم فاغضبوا، دُعِي القومُ، ودُعيتم، فأسرعوا، وأبطأتم، فكيف بكم إذا دُعيتم إلى أبواب الجنة؟ ثم خرج إلى الجهاد. وأخرجه ابن المبارك في "الجهاد" أتم منه.
وروى ابن شاهين من طريق ثابت البنانيّ، قال: قال سهيل بن عمرو: والله لا أدع موقفًا وقفته مع المشركين، إلا وقفت مع المسلمين مثله، ولا نفقةً أنفقتها مع المشركين، إلا أنفقت على المسلمين مثلها، لعل أمري أن يتلو بعضه بعضها.
وقال ابن أبي خيثمة: مات سهيل بالطاعون سنة ثمان عشرة، ويقال: قُتِل باليرموك، وقال خليفة: بمرج الصفر، والأول أكثر، واْنه مات بالطاعون.
وأخرج ابن سعد، بإسناد له إلى أبي سعد بن أبي فَضَالة، وكانت له صحبة، قال: اصطحبت أنا وسهيل بن عمرو إلى الشام، فسمعته يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"مقام أحدكم في سبيل الله ساعة من عمره خير من عمله عمره في أهله"، قال سهيل: فإنما أرابط حتى أموت، ولا أرجع إلى مكة، قال: فلم يزل مقيمًا بالشام، حتى مات في طاعون عَمَوَاس، ذكر هذا كلّه في "الإصابة"(١).
(فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَلِيٍّ)؛ أي: ابن أبي طالب - رضي الله عنه -، ("اكْتُبْ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم"، قَالَ سُهَيْلٌ: أمَّا بِاسْمِ اللهِ) وفي بعض النسخ: "أما اسم الله"(فَمَا نَدْرِي)؛ أي: لا نعلم (مَا بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم؟)؟ أي: لأنهم لا يعرفون الرحمن، كما قال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} الآية [الفرقان: ٦٠]، أو لأنهم لا يعرفون إلا رحمن اليمامة، قال في "الكشّاف": كانوا يقولون: ما نعرف الرحمن إلا الذي باليمامة - يعنون مسيلمة الكذّاب -، وكان يقال له: رحمان اليمامة، وهذا من تعنّتهم، وشدّة كفرهم، وإلا فقد كانوا يسمّون الله تعالى في جاهليّتهم بالرحمن، قال الإمام ابن كثير - رحمه الله - في "تفسيره": وقد زعم بعضهم أن العرب لا تعرف الرحمن، حتى
(١) "الإصابة في تمييز الصحابة" للحافظ ابن حجر - رحمه الله - ٣/ ١٧٧ - ١٧٨.