للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن سُبيعة بنت الحارث الأسلمية جاء زوجها صَيْفيّ يطلبها، وكانت أسلمت، وهاجرت، وكذلك أم كلثوم بنت عقبة، فجاء زوجها مسافرٌ يطلبها بالشروط، فأنزل الله تعالى الآية في النهي عن ردّهن، ورأوا أن هذه الآية ناسخة لِمَا تقرر بالشرط المتقدِّم الذي هو ردّهن إلى الكفار، والطريقة الأولى أحسن، وأبعد عن الإشكال؛ إذ لم يدخلن في الشرط.

ثم اختلفوا فيما إذا صولح العدوّ على مثل هذا الشرط، فذهب الكوفيون إلى أن ذلك لا يجوز، لا في الرجال، ولا في النساء، ورأوا: أن كل ذلك منسوخ، ونحوَه حَكَى مكيّ في "الناسخ والمنسوخ" له عن المذهب، وذهب مالك في المشهور عنه، وحُكِي عن أصحاب الشافعيّ جواز ذلك، ولزومه في الرجال دون النساء، لكن بشرط أن يكونوا مأمونين على دمه.

وقيل: إنما فعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك لِضَعف المسلمين عن مقاومة عدوّهم في ذلك الوقت، وذلك لأنه إنما ردّ من ردّ، ممن جاء مسلمًا لآبائهم، وذوي أرحامهم؛ لِعَطْفهم عليهم، ولحبّهم فيهم، ولصحة إسلام من أسلم منهم، وللذي عَلِمَه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من حال من رُدّ أنه سيجعل الله له فرجًا ومخرجًا، وكذلك كان، وكلُّ هذه الأمور معدومة في حقّ غيره - صلى الله عليه وسلم -، فلا يحتجّ بتلك القضية على جواز ذلك، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

وقال النوويّ - رحمه الله -: قال العلماء: وافقهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في ترك كتابة "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، وأنه كتب "باسمك اللهم"، وكذا وافقهم في "محمد بن عبد الله"، وترك كتابة "رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، وكذا وافقهم في ردّ من جاء منهم إلينا، دون من ذهب منا إليهم، وإنما وافقهم في هذه الأمور؛ للمصلحة المهمّة الحاصلة بالصلح، مع أنه لا مفسدة في هذه الأمور، أما البسملة، و"باسمك اللهم"، فمعناهما واحد، وكذا قوله: "محمد بن عبد الله"، هو أيضًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليس في ترك وصف الله - سبحانه وتعالى - في هذا الموضع بالرحمن الرحيم ما ينفي ذلك، ولا في ترك وصفه - صلى الله عليه وسلم - أيضًّا هنا بالرسالة ما ينفيها، فلا مفسدة فيما طلبوه، وإنما كانت المفسدة تكون لو طلبوا أن يكتب ما لا يحل من تعظيم آلهتهم، ونحو ذلك.


(١) "المفهم" ٣/ ٦٣٨ - ٦٣٩.