للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

باطن ذلك، وعاقبة أمره ما ليس عند عمر، ولذلك لم يسكن عمر حتى بشّره النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالفتح، فسكن جأشه، وطابت نفسه. انتهى (١).

(فِي) أمر (دِينِنَا، وَنَرْجِعُ) إلى المدينة، (وَلَمَّا) نافية؛ أي: لم (يَحْكُمِ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟) بإظهار الحقّ، ودحض الكفر، (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("يَا ابْنَ الْخَطَّاب، إِنِّي رَسُولُ الله، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللهُ أبدًا" أي: بعدم نصري، وإظهار الإسلام، وفي رواية للبخاريّ: "قال: إني رسول الله، ولست أعصيه"، وهذا تنبيه منه - صلى الله عليه وسلم - لعمر - رضي الله عنه -؛ أي: إنما أفعل هذا من أجل ما أطلعني الله عليه من حبس الناقة، وإني لست أفعل ذلك برأي، وإنما هو بوحي.

(قَالَ: فَانْطَلَقَ)؛ أي: ذهب (عُمَرُ) - رضي الله عنه - (فَلَمْ يَصْبِرْ)؛ أي: لم يحبس نفسه في مجلس النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، بل ذهب، وقوله: (مُتَغَيِّظًا) حال من "عمر"؛ أي: انطلق من المجلس حال كونه ممتلئ الغيظ من الصلح، و"الغيظ": شدّة الغضب، قال الفيّوميّ - رحمه الله -: الغَيْظُ: الغضب المحيط بالْكَبِد، وهو أشدّ الْحَنَق، وفي التنزيل: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} [آل عمران: ١١٩]، وهو مصدر مِنْ غَاظَهُ الأمرُ، من باب سار، قال ابن الأعرابيّ - كما حكاه الأزهريّ -: غَاظَهُ يَغِيظُهُ، وأَغَاظَهُ بالألف، واسم المفعول من الثلاثيّ مَغِيظٌ، قال الشاعر [من البسيط]:

مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ وَرُبَّمَا … مَنَّ الفَتَى وَهُوَ المَغِيظُ المُحْنَقُ

واغْتَاظَ فلان من كذا، ولا يكون الغَيْظُ إلا بوصول مكروه إلى المُغْتَاظ، وقد يقام الغَيْظُ مقام الغضب في حقّ الإنسان، فيقال: اغْتَاظَ من لا شيءٍ، كما يقال: غَضِب من لا شيءٍ، وكذا عكسه. انتهى (٢).

(فَأَتى) عمر - رضي الله عنه - (أبا بَكْرٍ) الصدّيق - رضي الله عنه - (فَقَالَ: يَا أبا بَكْرٍ، ألَسْنَا عَلَى حَقٍّ، وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ قَالَ) أبو بكر - رضي الله عنه - (بَلَى، قَالَ) عمر - رضي الله عنه - (ألَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّة، وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ) أبو بكر (بَلَى، قَالَ) عمر (فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، وَنَرْجِعُ، وَلَمَّا يَحْكُمِ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ) أبو بكر - رضي الله عنه - (يَا ابْنَ الْخَطَّاب، إِنَّهُ رَسُولُ الله، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللهُ أبَدًا) قال النوويّ: - رحمه الله -: قال العلماء: لم يكن سؤال عمر - رضي الله عنه -، وكلامه المذكور شكًّا، بل طلبًا لكشف ما خفي


(١) "المفهم" ٣/ ٦٤٠.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٤٥٩.