وسكون النون - واسمه العاص بن سُهيل بن عمرو، وإنما نَسَبَ اليوم إليه، ولم يقل: يوم الحديبية؛ لأن ردّه إلى المشركين كان شاقًّا على المسلمين، وكان ذلك أعظم عليهم من سائر ما جرى عليهم من سائر الأمور، وكان أبو جَنْدَل جاء إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من مكة مسلمًا، وهو يجرّ قيوده، وكان قد عُذِّب على الإسلام، فقال سهل والده: يا محمد هذا أوّلُ ما أقاضيك عليه، فَرَدّ عليه أبا جندل، وهو ينادي: أتردّونني إلى المشركين، وأنا مسلم، وترون ما لقيت من العذاب في الله؟ فقام سهل إلى ابنه بحجر، فكسر قيده، فغارت نفوس المسلمين يومئذ، حتى قال عمر - رضي الله عنه -: ألسنا على الحقّ؟ فعلى ما نعطي الدنيّة في ديننا؟ أي: لِمَ نَرُدُّ أبا جندل إليهم، ولا نقاتلهم، ولا نرضى بهذا الصلح؟ (١).
وفي حديث المسور عند البخاريّ:"قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أُردّ إلى المشركين، وقد جئت مسلمًا؟ ألا ترون ما قد لقِيتُ؟ وكان قد عُذّب عذابًا شديدًا في الله"، زاد ابن إسحاق:"فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا جندل اصْبِرْ، واحتسب، فإنا لا نَغْدِر، وإن الله جاعل لك فرجًا، ومخرجًا"، وفي رواية أبي المليح:"فأوصاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فوثب عمر مع أبي جندل يمشي إلى جنبه، ويقول: اصبر، فإنما هم مشركون، وإنما دم أحدهم كدم كلب، قال: ويُدني قائمة السيف منه، يقول عمر: رجوت أن يأخذه مني، فيضرب به أباه، فضَنّ الرجل"؛ أي: بخل بأبيه، ونفذت القضية.
قال الخطابيّ - رحمه الله -: تأوّل العلماء ما وقع في قصة أبي جندل على وجهين:
أحدهما: أن الله قد أباح التقِيَّةَ للمسلم، إذا خاف الهلاك، ورَخَّصَ له أن يتكلم بالكفر مع إضمار الإيمان، إن لم يُمكنه التورية، فلم يكن ردّه إليهم إسلامًا لأبي جندل إلى الهلاك مع وجوده السبيل إلى الخلاص من الموت بالتقية.
والوجه الثاني: أنه إنما ردّه إلى أبيه، والغالب أن أباه لا يبلغ به الهلاكَ،