للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وإن عذبه، أو سجنه، فله مندوحة بالتقية أيضًا، وأما ما يُخاف عليه من الفتنة، فإن ذلك امتحان من الله يبتلي به صبر عباده المؤمنين.

واختَلَفَ العلماء: هل يجوز الصلح مع المشركين على أن يُرَدّ إليهم من جاء مسلمًا من عندهم إلى بلاد المسلمين، أم لا؟ فقيل: نعم، على ما دلّت عليه قصة أبي جندل، وأبي بصير، وقيل: لا، وأن الذي وقع في القصة منسوخ، وأن ناسخه حديث: "أنا بريء من مسلم بين مشركين"، وهو قول الحنفية، وعند الشافعية تفصيل بين العاقل والمجنون والصبيّ، فلا يُردّان، وقال بعض الشافعية: ضابط جواز الردّ: أن يكون المسلم بحيث لا تجب عليه الهجرة من دار الحرب، والله أعلم، قاله في "الفتح" (١).

وقوله: (وَلَوْ أنِّي أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَرَدَدْتُهُ) أشار سهل - رضي الله عنه - بهذا الكلام إلى جواب الذين اتهموه بالتقصير في القتال يوم صفين، فقال: كيف تنسبونني إلى التقصير؟ فلو كان لي استطاعة على ردّ أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية لرددته، ولم يكن امتناعي عن القتال يومئذ للتقصير، وإنما كان لأجل أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالصلح.

وقوله: (وَاللهِ مَا وَضَعْنَا سُيُوفَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا … إلخ)؛ يعني: ما جرّدنا سيوفنا في الله.

وقوله: (إِلَى أَمْرٍ قَطُّ) وفي الرواية التالية: "إلى أمر يُفظعنا" - بالظاء المعجمة المكسورة، بعد الفاء الساكنة -؛ أي: يوقعنا في أمر فظيع، وهو الشديد في القبح ونحوه، قاله في "الفتح" (٢).

وقال الفيّوميّ - رحمه الله -: فَظُع الأمر فَظَاعةً: جاوز الحدّ في القُبح، فهو فَظِيعٌ، وأفظع إفظاعًا، فهو مُفظع مثله، وأُفْظِعَ الرجلُ، بالبناء للمفعول: نَزَلَ به أمر شديدٌ. انتهى (٣).


(١) "الفتح" ٦/ ٦٤٥، كتاب "الشروط" رقم (٢٧٣١).
(٢) "الفتح" ١٧/ ١٩١، كتاب "الاعتصام" رقم (٧٣٠٨).
(٣) "المصباح المنير" ٢/ ٤٧٨.