للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد: في شيء من الحديث أن السيئة تكتب بأكثر من واحدة؟ قال: لا ما سمعنا إلا بمكة؛ لتعظيم البلد، وقال إسحاق بن راهويه، كما قال أحمد.

وقد تضاعف السيئات بشرف فاعلها، وقوة معرفته بالله، وقربه منه، فإن من عَصَى السطان على بساطه أعظم جُرْمًا ممن عصاه على بُعْدٍ، ولهذا توعد الله خاصة عباده على المعصية بمضاعفة الجزاء، وإن كان قد عصمهم منها؛ ليبيّن لهم فضله عليهم بعصمتهم من ذلك، كما قال تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (٧٤) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [الإسراء: ٧٤ - ٧٥]، وقال تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (٣٠) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ}، إلى قوله: {وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٣٠ - ٣٥]، وكان علي بن الحسين يتأول في آل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من بني هاشم مثل ذلك؛ لقربهم من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -.

[النوع الثالث]: الهمُّ بالحسنات، فتُكتب حسنةً كاملةً، وإن لم يعملها، كما في حديث ابن عباس وغيره، وفي حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم كما تقدم: "إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنةً، فأنا أكتبها له حسنةً"، والظاهر أن المراد بالتحدُّث: حديث النفس، وهو الهمّ، وفي حديث خُرَيم بن فاتك: "مَنْ هَمّ بحسنة، فلم يعملها، فعلم الله منه أنه قد أشعر قلبه، وحَرَصَ عليها، كتبت له حسنة"، وهذا يدلّ على أن المراد بالهمّ هنا هو العزم المصمّم الذي يوجد معه الحرص على العمل، لا مجرد الْخَطْرة التي تخطُر، ثم تنفسخ من غير عزم، ولا تصميم.

قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: "من أتَى فراشه، وهو ينوي أن يصلي من الليل، فغلبته عيناه حتى يصبح، كُتِب له ما نوى"، ورُوي عنه مرفوعًا، وأخرجه ابن ماجه مرفوعًا، قال الدارقطنيّ: المحفوظ الموقوف، ورُوي معناه من حديث عائشة - رضي الله عنها -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الموقوف في مثل هذا له حكم الرفع، ولا سيّما وهو صحيح، مرفوعًا من حديث عائشة - رضي الله عنها -، فتنبّه، والله تعالى أعلم.