للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[النوع الرابع]: الهمُّ بالسيئات، من غير عَمَلٍ لها، ففي حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أنها تُكتَب حسنةً كاملةً، وكذلك في حديث أبي هريرة وأنس وغيرهما أنها تكتب حسنةً كاملةً، وفي حديث أبي هريرة: "إنما تركها من جرائي" - يعني من أجلي - وهذا يدلّ على أن المراد مَنْ قَدَرَ على ما هَمّ به من المعصية، فتركه لله تعالى، وهذا لا ريب في أنه يُكتب له بذلك حسنةٌ؛ لأن تركه المعصية بهذا المقصد عَمَلٌ صالح، فأما إن هَمّ بمعصية، ثم ترك عملها خوفًا من المخلوقين، أو مراءاة لهم، فقد قيل: إنه يعاقب على تركها بهذه النية؛ لأن تقديم خوف المخلوقين على خوف الله محرَّم، وكذلك قصد الرياء للمخلوقين محرَّم، فإذا اقترن به ترك المعصية لأجله عوقب على هذا الترك.

وقد أخرج أبو نعيم بسند ضعيف (١)، عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: "يا صاحب الذنب، لا تأمنَنّ سوءَ عاقبته، ولَمَا يَتْبَعُ الذنبَ أعظمُ من الذنب إذا عملته" وذكر كلامًا، وقال: خوفك من الريح إذا حَرَّكت سِتْرَ بابك، وأنت على الذنب، ولا يَضطربُ فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب إذا فعلته.

وقال الفضيل بن عياض: كانوا يقولون: تركُ العمل للناس رياء، والعملُ لهم شرك.

وأما إن سَعَى في حصولها بما أمكنه، ثم حال بينه وبينها القَدَرُ، فقد ذكر جماعة أنه يعاقب عليها حينئذ؛ لقوله النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يتجاوز لأمتي عما حَدَّثت به أنفسها، ما لم تتكلم به، أو تعمل"، ومن سَعَى في حصل المعصية بجهده، ثم عجز عنها، فقد عَمِلَ بها، وكذلك قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار"، قالوا: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: "إنه كان حريصًا على قتل صاحبه".

وقوله: "ما لم تتكلم به، أو تعمل " يدلّ على أن الهامّ بالمعصية إذا تكلم بما هَمَّ به بلسانه، فإنه يعاقب على الهمّ حينئذ؛ لأنه قد عَمِلَ بجوارحه معصيةً، وهو التكلم باللسان، ودلّ على ذلك حديث الذي قال: "لو أن لي مالًا لعملت فيه ما عَمِل فلان" يعني الذي يَعْصِي الله في ماله، قال: "فهما في الوزر سواء".


(١) "الحلية" ١/ ٣٢٤.