للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ضرب، وتَعِب، وما سبق عن المجد يدلّ على أنه مثلّث؛ أي: من باب نصر، وضرب، وتَعِب، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (أَلَا) أداة استفتاح وتنبيه (رَجُلٌ) مبتدأ سوّغه الوصف بما بعده، وخبره محذوف؛ أي: موجود (يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟)؛ أي: المشركين الذين تحزّبوا لقتال المسلمين.

وقال الأبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "ألا رجلٌ؟ " هو حضّ لحواشي الجيش، ليس لأكابرهم؛ كأبي بكر - رضي الله عنه -، وأنظاره، حتى إنه لو أراد أبو بكر لنهاه، ولذا لم يُبادر أكابر الصحابة إلى الإجابة، وما ذاك إلا؛ لأنهم فَهِموا أن المراد غيرهم، وإلا فهم أسبق الناس إلى الخير، وأصبرهم على ارتكاب المشاقّ الدينيّة. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله الأبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - من أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا رجل … إلخ" الحواشي الجيش لا لأكابرهم تأويل حسن موافق لحال أكابر الصحابة - رضي الله عنه -، لو ساعده النصّ، لكنك إذا تأملت إطلاق النصّ استبعدت ما قاله، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم.

وقوله: (جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ") جملة في محل رفع صفة بعد صفة، وهو بمعنى المضارع؛ أي: يجعله الله تعالى معي في الجنّة؛ أي: مصاحبًا لي، وملازمًا لحضرتي، وكلُّ واحد منهما على منزلته في الجنّة، فإن منزلة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لا يلحقها أحد، قاله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (٢).

(فَسَكَتْنَا، فَلَمْ يُجبْهُ مِنَّا أَحَدٌ) هذا يدلّ على مدى شدّة المشقّة، والنصب الذي لحق بالصحابة - رضي الله عنهم - في تلك الغزوة، وإلا فإنهم كانوا أسرع الناس إجابة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأكثرهم شوقًا إلى الاستشهاد في سبيل الله، وأقواهم استعدادًا لاقتحام الأخطار والمتاعب في سبيل الله تعالى، ولم يكونوا ليتخلّفوا عما يدعوهم إليه - صلى الله عليه وسلم - بهذه البشارة العظيمة ثلاث مرّات، فسكوتهم في ذلك الحين لا يمكن إلا إذا بلغوا من التعب والنصب نهايته، بما أدّاهم إلى حال الاضطرار الشديد، - رضي الله عنهم - أجمعين (٣).


(١) "شرح الأبيّ" ٥/ ١٣٠.
(٢) "المفهم" ٣/ ٦٤٧.
(٣) راجع: "تكملة فتح الملهم" ٣/ ١٩٠.