للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[القسم الثاني]: العزائم المصمَّمة التي تقع في النفوس، وتدوم، ويساكنها صاحبها، فهذا أيضًا نوعان:

(أحدهما): ما كان عَمَلًا مستقلًا بنفسه، من أعمال القلوب، كالشكّ في الوحدانية، أو النبوة، أو البعث، أو غير ذلك من الكفر والنفاق، أو اعتقاد تكذيب ذلك، فهذا كله يعاقب عليه العبد، ويصير بذلك كافرًا أو منافقًا، وقد رُوِيَ عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه حَمَل قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: ٢٨٤] على مثل هذا، ورُوِي عنه حملها على كتمان الشهادة؛ لقوله: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: ٢٨٣]، ويُلْحَق بهذا القسم سائر المعاصي المتعلقة بالقلوب، كمحبة ما يبغضه الله، وبغض ما يحب الله، والكبر، والعجب، والحسد، وسوء الظن بالمسلم، من غير موجب، مع أنه قد رُوِي عن سفيان أنه قال في سوء الظن: إذا لم يترتب عليه قول أو فعل: فهو معفو عنه، وكذلك رُوِي عن الحسن أنه قال في الحسد، ولعل هذا محمولٌ من قولهما على ما يجده الإنسان، ولا يمكنه دفعه، فهو يَكرهه، ويدفعه عن نفسه، فلا يندفع إلا على ما يساكنه، ويستروح إليه، ويعيد حديث نفسه به ويبديه.

(والنوع الثاني): ما لم يكن من أعمال القلوب، بل كان من أعمال الجوارح، كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر، والقتل، والقذف، ونحو ذلك، إذا أصرّ العبد على إرادة ذلك، والعزم عليه، ولم يَظهَر له أثرٌ في الخارج أصلًا، فهذا في المؤاخذة به قولان مشهوران للعلماء:

(أحدهما): الأخذ به، قال ابن المبارك: سألت سفيان الثوري: أيؤاخذ العبد بالهمّ؟ فقال: إذا كانت عزمًا أُوخذ، ورَجَّح هذا القول كثير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين، من أصحابنا وغيرهم.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تقدّم ترجيح هذا المذهب، فلا تغفل.

قال: واستدلوا له بنحو قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: ٢٣٥]، وقوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: ٢٢٥]، وبنحو قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "الإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس"، وحملوا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تجاوز لأمتي عما حَدَّثت به