للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أنفسها، ما لم تتكلم به، أو تعمل"، على الخطرات، وقالوا: ما ساكنه العبد، وعَقَد عليه قلبَه فهو من كسبه وعمله، فلا يكون مَعْفُوًّا عنه، ومن هؤلاء من قال: إنه يعاقب عليه في الدنيا بالهموم والغموم، رُوي ذلك عن عائشة - رضي الله عنه - مرفوعًا وموقوفًا، وفي صحته نظر، وقيل: بل يحاسب العبد به يوم القيامة، فيقفه الله عليه، ثم يعفو عنه، ولا يعاقبه، فتكون عقوبته المحاسبة، وهذا مرويّ عن ابن عباس، والربيع بن أنس، وهو اختيار ابن جرير، واحتجّ له بحديث ابن عمر في النجوى، وذلك ليس فيه عمومٌ، وأيضًا فإنه وارد في الذنوب المستورة في الدنيا، لا في وساوس الصدور.

(والقول الثاني): لا يؤاخذ بمجرد النية مطلقًا، ونُسِب ذلك إلى نصّ الشافعيّ، وهو قول ابن حامد من أصحابنا؛ عملًا بالعمومات، ورَوَى العوفيّ عن ابن عباس - رضي الله عنه - ما يدلّ على مثل هذا القول.

وفيه قول ثالث: إنه لا يؤاخذ بالهم بالمعصية، إلا بأن يَهُمّ بارتكابها في الحرم، كما رَوَى السُّدّيّ عن مرة، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: ما من عبد يَهُمّ بخطيئة، فلم يعملها، فتكتب عليه، ولو هَمّ بقتل الإنسان عند البيت، وهو بِعَدَن أَبْيَن أذاقه الله من عذاب أليم، وقرأ: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: ٢٥]، أخرجه الإمام أحمد وغيره، وقد رواه عن السديّ شعبة، وسفيان، فرفعه شعبة، ووقفه سفيان، والقول قول سفيان في وقفه.

وقال الضحاك: إن الرجل ليهم بالخطيئة بمكة، وهو بأرض أخرى، ولم يعملها، فتكتب عليه، وقد تقدم عن أحمد وإسحاق ما يدلّ على مثل هذا القول، وكذا حكاه القاضي أبو يعلى عن أحمد.

وقد رَدَّ بعضهم هذا إلى ما تقدم من المعاصي التي متعلقها القلب، وقال: الحرم يجب احترامه، وتحريمه، وتعظيمه بالقلوب، فالعقوبة على ترك هذا الواجب، وهذا لا يصح، فإن حرمة الحرم ليست بأعظم من حرمة مُحَرِّمه سبحانه، والعزم على معصية الله عزم على انتهاك محارمه، ولكن لو عَزَم على ذلك قصدًا لانتهاك حرمة الحرم، واستخفافًا بحرمته، فهذا كما لو عَزَم على فعل معصية بقصد الاستخفاف بحرمة الخالق تعالى، فيكفر بذلك، وإنما ينتفي