للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من ضرب آخر من الشعر، وهو من ضروب البحر الملَقَّب "الكامل"، وفي الثاني زِحاف جائز، قال عياض: وقد غَفَل بعض الناس، فرَوَى "دَمِيت"، و"لقيت"، بغير مدّ، فخالف الرواية؛ لِيَسْلَم من الإشكال، فلم يُصِبْ، وقد اختُلِف هل قاله النبيّ - صلى الله عليه وسلم - متمثلًا، أو قاله من قبل نفسه، غيرَ قاصد لإنشائه، فخرج موزونًا؟ وبالأول جزم الطبريّ وغيره، ويؤيده أن ابن أبي الدنيا في "محاسبة النفس" أوردهما لعبد الله بن رواحة، فذكر أن جعفر بن أبي طالب لَمّا قُتِل في غزوة مؤتة، بعد أن قُتل زيد بن حارثة، أخذ اللواء عبد الله بن رواحة، فقاتل، فأصيب إصبعه، فارتجز، وجعل يقول هذين القِسْمين، وزاد:

يَا نَفْسُ إِنْ لَا تُقْتَلِي تَمُوتِي … هَذِي حِيَاضُ الْمَوْتِ قَدْ صَلِيتِ

وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَدْ لَقِيتِ … إِنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيتِ

وهكذا جزم ابن التين بأنهما من شعر ابن رواحة.

وذكر الواقديّ أن الوليد بن الوليد بن المغيرة كان رافق أبا بَصِير في صلح الحديبية، على ساحل البحر، ثم إن الوليد رجع إلى المدينة، فعَثَرَ بالْحَرَّة، فانقطعت إصبعه، فقال هذين القسمين.

وأخرجه الطبرانيّ من وجه آخر موصولٍ بسند ضعيف، وقال ابن هشام في زيادات "السيرة": حدّثني من أثق به أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ لي بعباس بن أبي ربيعة؟ "، فقال الوليد بن الوليد: أنا، فذكر قصة فيها: فعَثَرَ، فدَمِيت إصبعه، فقالهما، وهذا إن كان محفوظًا احْتَمَلَ أن يكون ابن رواحة ضَمّنهما شعره، وزاد عليهما، فإن قصة الحديبية قبل قصة مؤتة، وقد تقدم نحو هذا الاحتمال في أوائل غزوة خيبر في الرجز المنسوب لعامر بن الأكوع:

اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا

وأنه نُسِب في رواية أخرى لابن رواحة.

وقد اختُلف في جواز تمثّل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بشيء من الشعر، وإنشاده، حاكيًا عن غيره، فالصحيح جوازه.

وقد أخرج البخاري في "الأدب المفرد"، والترمذيّ، وصحّحه، والنسائيّ، من رواية الْمِقْدام بن شُريح، عن أبيه، قلت لعائشة: أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتمثّل بشيء من الشعر؟ قالت: كان يتمثّل من شعر ابن رواحة: