للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثلاثًا، فجاءته امرأة فقالت: يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك … " الحديث، قال الحافظ - رحمه الله - في "الفتح": لم تُرِد الشكوى المذكورة بعينها، وأن من فَسَّرها بإصبعه التي دَمِيت لم يُصِب، ووجدت الآن في الطبرانيّ بإسناد فيه مَن لا يُعْرَف أن سبب نزولها وجود جِرْوِ كلبٍ تحت سريره - صلى الله عليه وسلم - لم يشعر به، فابطأ عنه جبريل لذلك، وقصّة إبطاء جبريل بسبب كون الكلب تحت سريره مشهورة، لكن كونها سبب نزول هذه الآية غريب، بل شاذ مردود بما في "الصحيح"، والله أعلم.

وورد لذلك سبب ثالث، وهو ما أخرجه الطبريّ من طريق الْعَوْفيّ، عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: "لمّا نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن أبطأ عنه جبريل أيامًا، فتغيّر بذلك، فقالوا: وَدَّعَهُ ربه، وقلاه، فأنزل الله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (٣) ومن طريق إسماعيل مولى آل الزبير قال: "فَتَرَ الوحي حتى شَقَّ ذلك على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأحزنه، فقال: لقد خَشيت أن يكون صاحبي قلاني، فجاء جبريل بسورة: والضحى"، وذكر سليمان التيميّ في "السيرة" التي جمعها، ورواها محمد بن عبد الأعلى، عن معتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: "وفَتَر الوحي، فقالوا: لو كان من عند الله لَتَتابَع، ولكن الله قلاه، فأنزل الله: {وَالضُّحَى (١){أَلَمْ نَشْرَحْ} بكمالهما".

وكل هذه الروايات لا تثبت، والحقّ أن الفترة المذكورة في سبب نزول {وَالضُّحَى} غير الفترة المذكورة في ابتداء الوحي، فإن تلك دامت أيامًا، وهذه لم تكن إلا ليلتين أو ثلاثًا، فاختلطتا على بعض الرواة، وتحرير الأمر في ذلك ما بيّنته، وقد أوضحت ذلك في التعبير، ولله الحمد.

ووقع في "سيرة ابن إسحاق" في سبب نزول {وَالضُّحَى (١)} شيء آخر، فإنه ذكر أن المشركين لمّا سألوا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذي القرنين، والروح، وغير ذلك، ووعدهم بالجواب، ولم يستثن، فأبطأ عليه جبريل اثنتي عشرة ليلة، أو أكثر، فضاق صدره، وتكلم المشركون، فنزل جبريل بسورة: والضحى، وبجواب ما سألوا، وبقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣ - ٢٤] انتهى، وذِكْر سورة الضحى هنا بعيد، لكن يجوز أن يكون الزمان في القصتين متقاربًا، فضمّ بعض الرواة إحدى