القصتين إلى الأخرى، وكل منهما لم يكن في ابتداء البعث، وإنما كان بعد ذلك بمدّة، والله أعلم. انتهى (١).
٢ - (ومنها): بيان عناية الله تعالى بنبيّه - صلى الله عليه وسلم -، حيث أنزل عليه هذه السورة العظيمة لَمّا قال المشركون: ودَّعه ربه.
٣ - (ومنها): ما كان عليه المشركون من التربّص برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبأصحابه؛ كي يطعنوا فيهم، ويلمزوهم، ويغمزوهم، وفيهم أنزل الله - عز وجل -: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١)} إلى آخر السورة.
٤ - (ومنها): أن من حكمة تأخر جبريل - عليه السلام - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ ليشتاق إليه أشدّ اشتياق، ويُقبل عليه أتمّ إقبال، وأيضًا فإنه لا ينزل إلا بأمر الله - سبحانه تعالى -، فقد أخرج البخاريّ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ "، فنزلت:{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} إلى آخر الآية [مريم: ٦٤].
وقال في "الفتح" ما حاصله: إن تأخير نزول الوحي أحيانًا إنما كان يقع لحكمة تقتضي ذلك، لا لِقَصْد تركه أصلًا، فكان نزوله على أنحاء شتى، تارةً يتتابع، وتارة يتراخى، وفي إنزاله مفرَّقًا وجوه من الحكمة:
[منها]: تسهيل حفظه؛ لأنه لو نزل جملة واحدة على أمة أمية، لا يقرأ غالبهم، ولا يكتب لشقّ عليهم حفظه، وأشار سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله ردًّا على الكفار: وقالوا: {لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ} - أي: أنزلناه مفرقًا - {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ}[الفرقان: ٣٢]، وبقوله تعالى:{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ}[الإسراء: ١٠٦].
[ومنها]: ما يستلزمه من الشرف له، والعناية به؛ لكثرة تردّد رسول ربه إليه، يُعْلِمه بأحكام ما يقع له، وأجوبة ما يُسأل عنه، من الأحكام، والحوادث.
[ومنها]: اْنه أُنزل على سبعة أحرف، فناسب أن ينزل مفرّقًا؛ إذ لو نزل دَفْعَة واحدةً لشقّ بيانها عادةً.