للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ - رحمه الله -: وهذه المرأة فيما ظهر لي غير المرأة السابقة؛ لأن هذه المرأة عَبّرت بقولها: "صاحبك"، وتلك عبّرت بقولها: "شيطانك"، وهذه عبّرت بقولها: "يا رسول الله"، وتلك عبّرت بقولها: "يا محمد"، وسياق الأُولى يُشعر بأنها قالته تأسّفًا، وتوجُّعًا، وسياق الثانية يُشعر بأنها قالته تَهَكُّمًا، وشماتةً.

وقد حَكَى ابن بطال عن "تفسير بَقِيّ بن مَخْلَد"، قال: قالت خديجة للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - حين أبطأ عنه الوحي: "إن ربك قد قلاك"، فنزلت: {وَالضُّحَى (١)}.

وقد تعقّبه ابن المنير، ومن تَبِعَه بالإنكار؛ لأن خديجة قوية الإيمان، لا يليق نسبة هذا القول إليها، لكن إسناد ذلك قويّ، أخرجه إسماعيل القاضي في "أحكامه"، والطبريّ في "تفسيره"، وأبو داود في "أعلام النبوة" له، كلهم من طريق عبد الله بن شداد بن الهاد، وهو من صغار الصحابة، والإسناد إليه صحيح، وأخرجه أبو داود أيضًا من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، لكن ليس عند أحد منهم أنها عبّرت بقولها: "شيطانك"، وهذه هي اللفظة المستنكَرة في الخبر.

وفي رواية إسماعيل وغيره: "ما أرى صاحبك " بدل "ربك"، والظاهر أنها عَنَت بذلك جبريل.

وأغرب سُنيد بن داود فيما حكاه ابن بشكوال، فرَوَى في تفسيره، عن وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عائشة - رضي الله عنها - قالت للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وغَلِطَ سُنيد في ذلك، فقد رواه الطبريّ، عن أبي كُريب، عن وكيع، فقال فيه: قالت خديجة، وكذلك أخرجه ابن أبي حاتم، من طريق أبي معاوية، عن هشام.

قال: وأما المرأة المذكورة في حديث سفيان التي عَبّرت بقولها: "شيطانك" فهي أم جميل العوراء بنت حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وهي أخت أبي سفيان بن حرب، وامرأة أبي لهب، كما رَوَى الحاكم من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن أرقم، قال: قالت امرأة أبي لهب - لَمّا مَكَثَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أيامًا لم يَنزل عليه الوحي -: يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد قلاك، فنزلت: {وَالضُّحَى (١)} ورجاله ثقات.