للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقيل: المعنى: أن الوسوسة أمارة وجود الإيمان الصادق في القلب؛ لأن اللصّ لا يدخل البيت الخالي، والشيطان لصّ القلب.

وقال النوويّ: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ذلك صريح الإيمان"، و"محض الإيمان": معناه: استعظامكم الكلام به، هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا، وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلًا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالًا محققًا، وانتفت عنه الريبة والشكوك.

(واعلم): أن الرواية الثانية، وإن لم يكن فيها ذكر الاستعظام، فهو مراد، وهي مختصرة من الرواية الأولى، ولهذا قدم مسلم الرواية الأولى.

وقيل: معناه: أن الشيطان إنما يوسوس لمن أَيِسَ من إغوائه، فَيُنَكِّد عليه بالوسوسة؛ لعجزه عن إغوائه، وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء، ولا يقتصر في حقه على الوسوسة، بل يتلاعب به كيف أراد، فعلى هذا معنى الحديث: سبب الوسوسة محض الإيمان، أو الوسوسة علامةُ محض الإيمان، وهذا القول اختيار القاضي عياض (١).

وقال القرطبيّ: والصريح، والمحض: الخالص الصافي، وأصله في اللبن، ومعنى الحديث أن هذه الإلقاءات، والوساوس التي تُلقيها الشياطين في صدور المؤمنين تنفر منها قلوبهم، وَيعظُم عليهم وقوعها عندهم، وذلك دليل صحّة إيمانهم ويقينهم ومعرفتهم بأنها باطلة، ومن إلقاءات الشيطان، ولولا ذلك لركنوا إليها، ولقبلوها، ولم تَعظُم عندهم، ولا سمّوها وسوسةً.

ولَمّا كان ذلك التعاظم، وتلك النَّفْرة ناشئًا عن ذلك الإيمان، عبَّر عن ذلك بأنه خالص الإيمان، ومحض الإيمان، وذلك من باب تسمية الشيء باسم الشيء؛ لمجاورته، أو لكونه سببًا له. انتهى كلام القرطبيّ ببعض تصرّف (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: كلا المعنيين اللذين ذكرهما النوويّ صحيح موافق للحديث، إلا أن المعنى الثاني الذي اختاره عياض أنسب بظاهر الحديث، وقد أجاد في تقريره، وأفاد حيث قال ما خلاصته:

إن وسوسة الشيطان، وتحدّثه في نفس المؤمن إنما هو لإياسه من قبول


(١) "شرح النوويّ" ٢/ ١٥٤.
(٢) "المفهم" ١/ ٣٤٤ - ٣٤٥.