(قَالَ) أنس (فَأَخَذَ) ابن مسعود (بِلِحْيَتِهِ)؛ أي: بلحية أبي جهل، (فَقَالَ) ابن مسعود: (آنتَ) بمدّ الهمزة، أصله أأنت، وهو مبتدأ، خبره قوله:(أَبُو جَهْلٍ؟)، وإنما خاطبه ابن مسعود - رضي الله عنه - بذلك مُقرّعًا له، ومتشفّيًا منه؛ لأنه كان يؤذيه بمكة أشدّ الأذى.
وفي رواية للبخاريّ:"فقال: أنت أبا جهل"، قال في "الفتح": قوله: "أنت أبا جهل" كذا للأكثر، وللمستملي وحده:"أنت أبو جهل"، والأول هو المعتمَد في حديث أنس هذا، فقد صَرَّح إسماعيل ابن عُلية، عن سليمان التيميّ بأنه هكذا نَطَق بها أنس، وقد أخرجه ابن خزيمة، ومن طريقه أبو نعيم، عن محمد بن المثنى، شيخ البخاري فيه، فقال فيه:"أنت أبو جهل"، وكأنه من إصلاح بعض الرواة، وكذلك نَطَق بها يحيى القطان، أخرجه الإسماعيليّ، من طريق المقدّميّ، عن يحيى القطان، عن التيميّ، فذكر الحديث، وفيه:"قال: أنت أبا جهل"، قال المقدّميّ: هكذا قالها يحيى القطان، وقد وُجِّهت الرواية المذكورة بالحمل على لغة من يُثبت الألف في الأسماء الستة في كل حالة؛ كقوله:
قال الجامع عفا الله عنه: اللغة المشهورة في الأسماء الستّة أن تُعرب بالواو رفعًا، نحو "هذا أبوك"، وبالألف نصبًا، نحو "رأيت أباك"، وبالياء جرًّا، نحو "مررت بأبيك"، ويجوز إعرابها بالنقص، نحو: هذا أبٌ، ورأيت أبًا، ومررتُ بأبٍ، ويجوز أيضًا إعرابها إعراب المقصور بالألف مطلقًا، نحو: هذا أبا محمد، ورأيت أبا محمد، ومررتُ بأبا محمد، ومنه البيت، فقوله:"وأبا أباها"، فـ"أبا" مضاف، "أباها" مضاف إليه مجرور بالإضافة بكسرة مقدّرة على الألف، منع من ظهورها التعذّر، وإلى هذا كلّه أشار ابن مالك - رحمه الله - في "الخلاصة" بقوله: