معاذ"، قال: "فشاوره، فقال له: تَوَجَّهْ إليه، واشْكُ إليه الحاجة، وسله أن يُسلفكم طعامًا". (قَالَ) ابن مسلمة (ائْذَنْ لِي، فَلأَقُلْ) اللام فيه لام الأمر، ولذا جُزم بها الفعل؛ أي: أتكلّم بشيء مما يسُرّ كعبًا، ولفظ البخاريّ: "فأْذَنْ لي أن أقول شيئًا".
وقال النوويّ رحمه الله: قوله: "ائذن لي، فلأقل": معناه: ائذن لي أن أقول عني وعنك ما رأيته مصلحةً، من التعريض وغيره، ففيه دليل على جواز التعريض، وهو أن يأتي بكلام باطنه صحيح، ويَفْهَم منه المخاطَب غير ذلك، فهذا جائز في الحرب وغيرها، ما لم يَمنع به حقًّا شرعيًّا. انتهى (١).
(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("قُلْ")؛ أي: تكلّم بما تراه مصلحة مؤدّية إلى قتله، قال في "الفتح": كأنه استأذنه أن يفتعل شيئًا يحتال به، ومن ثَمَّ بوَّب عليه البخاريّ في "الصحيح"، فقال: "باب الكذب في الحرب"، وقد ظهر من سياق ابن سعد للقصّة أنهم استأذنوا أن يَشْكُوا منه، ويعيبوا رأيه، ولفظه: "فقال له: كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء، حاربتنا العرب، وَرَمَتْنا عن قوس واحدة"، وعند ابن إسحاق بإسناد حسن، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مَشَى معهم إلى بقيع الغرقد، ثم وَجَّههم، فقال: انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم". (فَأَتَاهُ)؛ أي: أتى محمد بن مسلمة كعب بن الأشرف (فَقَالَ لَهُ)؛ أي: كلّم ابن مسلمة كعبًا بكلام يستحسنه، وقوله:(وَذَكَرَ مَا بَيْنَهُمَا) جملة حاليّة؛ أي: والحال أن ابن مسلمة ذكر الذي بينه وبين كعب من المودّة، والصداقة القديمة حتى يطمئنّ إليه، ولا يرتاب في كونه يريد قتله، (وَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ)؛ يعني: النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (قَدْ أَرَادَ صَدَقَةً)، ولفظ البخاريّ: "قد سألنا صدقةً"، وفي رواية الواقديّ: "سألنا الصدقة، ونحن لا نَجِد ما نأكل"، وفي مرسل عكرمة: "فقالوا: يا أبا سعيد إن نبيّنا أراد منا الصدقة، وليس لنا مالٌ نصدقه"، (وَقَدْ عَنَّانَا) - بالعين المهملة، وتشديد النون الأولى -، من العَناء، وهو التعب.
وقال في "العمدة": قوله: "وقد عَنّانا" - بفتح النون المشدّدة -؛ أي: أتعبنا، وهذا من التعريض الجائز، بل من المستحبّ؛ لأن معناه في الباطن: