وأجاب بعض أصحاب مالك عن هذا، فقال: هو - صلى الله عليه وسلم - أكرم على الله تعالى من أن يبتليه بانكشاف عورته، وأصحابنا يجيبون عن هذا بأنه إذا كان بغير اختيار الإنسان فلا نقص عليه فيه، ولا يمتنع مثله. انتهى كلام النوويّ (١).
وقال في "الفتح": قال النوويّ: ذهب أكثر العلماء إلى أن الفخذ عورة، وعن أحمد، ومالك في رواية: العورة: القُبُل والدُّبُر فقط، وبه قال أهل الظاهر، وابن جرير، والإصطخريّ.
قال الحافظ: في ثبوت ذلك عن ابن جرير نظرٌ؛ فقد ذكر المسألة في "تهذيبه"، ورَدّ على من زعم أن الفخذ ليست بعورة.
ومما احتجوا به قولُ أنس - رضي الله عنه - في هذا الحديث:"وإن ركبتي لَتَمَسّ فخذ نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم - "؛ إذ ظاهره أن المس كان بدون الحائل، ومس العورة بدون حائل لا يجوز، وعلى رواية مسلم، ومن تابعه في أن الإزار لم ينكشف بقصد منه - صلى الله عليه وسلم - يمكن الاستدلال على أن الفخذ ليست بعورة من جهة استمراره على ذلك؛ لأنه وإن جاز وقوعه من غير قصد، لكن لو كانت عورة لم يُقَرّ على ذلك؛ لمكان عصمته - صلى الله عليه وسلم -، ولو فُرِض أن ذلك وقع لبيان التشريع لغير المختار، لكان ممكنًا.
لكن فيه نظر من جهة أنه كان يتعين حينئذ البيان عقبه، كما في قضية السهو في الصلاة، وسياقه عند أبي عوانة، والجوزقيّ، من طريق عبد الوارث، عن عبد العزيز ظاهر في استمرار ذلك، ولفظه:"فأجرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في زقاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم -، وإني لأرى بياض فخذيه". انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: الذي يظهر لي أن استدلال القائلين بعدم كون الفخذ عورةً بحديث أنس - رضي الله عنه - المذكور في الباب قويّ، إلا أن القول بأنها عورةٌ أحوط، كما قال البخاريّ رحمه الله في "صحيحه": "وحديث أنس أسند، وحديث جرهد أحوط، حتى يُخرج من اختلافهم". انتهى.
وحديث جرهد هو ما أخرجه مالك في "الموطّأ"، وأبو داود، والترمذيّ، وحسّنه، وابن حبّان، وصححه، وضعّفه البخاريّ في "التاريخ"؛ للاضطراب في