للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أيضًا، وفسَّروا الجاهد بالجادّ في علمه وعمله؛ أي: إنه لجادّ في طاعة الله، والمجاهد في سبيل الله، وهو الغازي.

وقال القاضي عياض: فيه وجه آخر، وهو أنه جمع اللفظين توكيدًا، قال ابن الأنباريّ: العرب إذا بالغت في تعظيم شيء اشتَقَّت له من لفظه لفظًا آخر على غير بنائه، زيادةً في التوكيد، وأعربوه بإعرابه، فيقولون: جادٌّ مُجِدّ، وليلٌ لائلٌ، وشِعْرٌ شاعرٌ، ونحو ذلك، قال القاضي: ورواه بعض رواة البخاريّ، وبعض رواة مسلم: "لَجَاهَدَ" بفتح الهاء، والدال، على أنه فعل ماض، مَجَاهِدَ بفتح الميم، ونصب الدال، بلا تنوين، قال: والأول هو الصواب، والله أعلم. انتهى.

وقال في "العمدة": قوله: "إن له لأجرين"، وهما أجر الجهد في الطاعة، وأجر المجاهدة في سبيل الله، وقيل: أحدُ الأجرين موته في سبيل الله، والآخر لِمَا كان يحدو به القومَ من شعره، ويدعو الله في ثباتهم عند لقاء عدوهم.

وقوله: "لجاهِدٌ، مُجَاهِدٌ" كلاهما بلفظ اسم الفاعل، الأول من الثلاثيّ، والثاني من المزيد فيه، والمعنى: لَجاهدٌ في الأجر، ومجاهد للمبالغة فيه؛ يعني: مبالغ في سبيل الله، ويروى بلفظ الماضي في الأول، وبلفظ جمع الْمَجْهَدة في الثاني. انتهى (١).

وقال في "الفتح": قوله: "إنه لجاهد مجاهد" كذا للأكثر باسم الفاعل فيهما، وكسر الهاء، والتنوين، والأول مرفوع على الخبر، والثاني تابعٌ للتأكيد، كما قالوا: جَادٌّ مُجِدٌّ، ووقع لأبي ذَر عن الحمويّ، والمستملي: بفتح الهاء، والدال، وكذا ضبطه الباجيّ، قال عياض: والأول هو الوجه، قال الحافظ: يؤيده رواية أبي داود من وجه آخر، عن سلمة: "مات جاهِدًا مُجاهدًا"، قال ابن دريد: رجلٌ جاهِدٌ؛ أي: جادٌّ في أموره، وقال ابن التين: الجاهد مَن يرتكب المشقّة، ومجاهدٌ؛ أي: لأعداء الله تعالى. انتهى (٢).


(١) "عمدة القاري" ٢٢/ ١٨٤.
(٢) "الفتح" ٩/ ٢٩٩، كتاب "المغازي" رقم (٤١٩٦).