(يَنْقُلُ) - صلى الله عليه وسلم - (مَعَنَا التُّرَابَ) وفي رواية البخاريّ: "ينقل من تراب الخندق"، (وَلَقَدْ وَارَى التُّرَابُ) وفي بعض النسخ: "وقد وارى التراب"؛ أي: غطّى التراب (بَيَاضَ بَطْنِهِ) وفي رواية البخاريّ: "حتى وارى عني الترابُ جِلْدة بطنه، وكان كثير الشعر"، وفي رواية شعبة، عن أبي إسحاق:"كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ينقُل التراب يوم الخندق، حتى أغمر بطنه، أو اغبرّ بطنُهُ"، قال في "الفتح": كذا وقع بالشكّ بِالْغَين المعجمة فيهما، فأما التي بالموحّدة، فواضح من الغبار، وأما التي بالميم، فقال الخطابيّ: إن كانت محفوظة، فالمعنى: وارى التراب جلدة بطنه، ومنه غِمَار الناس، وهو جَمْعهم، إذا تكاثف، ودخل بعضهم في بعض، قال: ورُوِيَ: "اعْفَرَّ" بمهملة، وفاء، والْعَفَر بالتحريك: التراب.
وقال عياض: وقع للأكثر بمهملة، وفاء، ومعجمة، وموحّدة، فمنهم من ضبطه بنصب "بطنَهُ"، ومنهم من ضبطه برفعها، وعند النسفيّ:"حتى غَبَرَ بطنُهُ، أو اغْبَرَّ" بمعجمة فيهما، وموحّدة، ولأبي ذرّ، وأبي زيد:"حتى أغمر"، قال: ولا وجه لها، إلا أن يكون بمعنى سَتَرَ، كما في الرواية الأخرى:"حتى وارى عني الترابُ بطنَهُ"، قال: وأَوْجَهُ هذه الروايات: "اغْبَرَّ" بمعجمة، وموحّدة، وبرفع "بَطْنُهُ".
قال الحافظ: وفي حديث أم سلمة - رضي الله عنها - عند أحمد، بسند صحيح:"كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يعاطيهم اللَّبِنَ يوم الخندق، وقد اغْبَرَّ شعر صدره".
وفي رواية عند البخاري:"حتى وارى عني الغبارُ جِلدة بطنه، وكان كثير الشَّعر"، وظاهر هذا أنه كان كثير شَعْر الصدر، وليس كذلك، فإن في صفته - صلى الله عليه وسلم - أنه كان دقيق الْمَسْرُبة؛ أي: الشَّعر الذي في الصدر إلى البطن، فيمكن أن يُجمع بأنه كان مع دِقّته كثيرًا؛ أي: لم يكن منتشرًا، بل كان مستطيلًا، والله أعلم. انتهى (١).
(وَهُوَ يَقُولُ) جملة في محل نصب على الحال، ("وَاللهِ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا) هذه الأبيات من شِعر عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه -، ففي رواية يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه، عند البخاري: "فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة".
(١) "الفتح" ٩/ ١٩٥ - ١٩٦، كتاب "المغازي" رقم (٤١٠٦).