للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "العمدة": قوله: "يا صباحاه"؛ يعني: أُغير عليكم في الصباح، أو: قد أصبحتم، فخذوا حِذْرَكم.

وقال القرطبيّ: معناه: الإعلام بهذا الأمر المهمّ الذي دَهَمَهم في الصباح، قيل: لأنهم كانوا يُغيرون وقت الصباح، وكأنه قيل: جاء وقت الصباح، فتأهبوا للقاء، فإن الأعداء يتراجعون عن القتال في الليل، فإذا جاء النهار عاودوه، والهاء فيه للندبة، تَسقُط في الوصل، والرواية إثباتها، فتقف على الهاء، وهو مُنَادًى مستغاثٌ، والألف فيه للاستغاثة، وقيل: الهاء فيه للسكت؛ كأنه نادى الناس استغاثةً بهم في وقت الصباح؛ أي: وقت الغارة، والحاصل أنها كلمة يقولها المستغيث. انتهى (١).

(قَالَ: فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ) تثنية لابة، وهي الْحَرّة، وهي الأرض ذات الحجارة السُّود، والمدينة واقعة بين حرّتين عظيمتين، وأراد بذلك أنه أسمع بصرخاته جميع أهل المدينة، كما يريد جميعَ القرآن من يقول: حفظت ما بين دَفّتي المصحف.

وفيه إشعار بأنه كان واسع الصوت جدًّا، ويَحْتَمِل أن يكون ذلك من خوارق العادات، وسيأتي في رواية إياس بن سلمة التالية: "ثم قُمت على أَكَمَةً، فاستقبلت المدينة، فناديت ثلاثًا: يا صباحاه"، وللطبرانيّ: "فصَعِدت في سَلْع، ثم صحْتُ: يا صباحاه، فانتهى صياحي إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فنُودي في الناس: الفزعَ الفزعَ"، وهو عند ابن إسحاق بمعناه.

(ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي)؛ أي: لم ألتفت يمينًا ولا شمالًا، بل أسرعت الجري، وكان شديد العَدْو كما سيأتي بيانه في الحديث التالي. (حَتِّي أَدْرَكْتُهُمْ) وفي رواية للبخاريّ: "حتى ألقاهم، وقد أخذوها"؛ يعني: اللقاح، وذَكَره بهذه الصيغة مبالغةً في استحضار الحال.

(بِذِي قَرَدٍ) تقدّم أنه اسم موضع قرب المدينة (وَقَدْ أَخَذُوا)، وفي بعض النسخ: "حتى أدركتهم، وقد أخذوا بذي قَرَد"، (يَسْقُونَ) بفتح أوله، وضمّه، يقال: سقاه، وأسقاه، ثلاثيًّا، ورُباعيًّا؛ أي: يسقون أنفسهم، ودوابّهم (مِنَ


(١) "عمدة القاري" ١٤/ ٢٨٥.