للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَلَا عُمْرَ وَلَّى مُسْتَطَاعٌ رُجُوعُهُ … فَيَرْأَبَ مَا أَثْأَتْ يَدُ الْغَفَلَاتِ (١)

يدلّ على ذلك قوله: "هل من مسابق؟ " (٢)، والله تعالى أعلم.

(هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ؟ فَجَعَلَ يُعِيدُ ذَلِكَ) من الإعادة، وهو التكرار؛ أي: يردّده مرّةً بعد أخرى. (قَالَ) سلمة (فَلَمَّا سَمِعْتُ كَلَامَهُ، قُلْتُ: أَمَا تُكْرِمُ كرِيمًا؟، وَلَا تَهَابُ شَرِيفًا؟) قال القرطبيّ: قول سلمة هذا يدلّ على أنه فَهِمَ من قول الرجل: "ألا مسابقٌ؟ " النفي، فكأنه قال: لا أحدَ يسبقني، فلذلك أنكر عليه سلمة، ولو كان عرضًا فقط لم يكن فيه ما يُنكره. انتهى (٣).

(قَالَ) الرجل (لَا)؛ أي: لا أُكرم كريمًا، ولا أهاب شريفًا، (إِلَّا أَنْ يَكُونَ) الكريم المهاب (رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) فـ "رسولَ" منصوب على أنه خبر "يكون"، ووقع في بعض النسخ مضبوطًا بالرفع أيضًا، وعليه فهو اسم "يكون"، وخبرها محذوف؛ أي: مسابقًا لي، فأهابه. (قَالَ) سلمة (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِيِ وَأُمِّي) متعلّق بمحذوف؛ أي: أَفديك بأبي وأُمي، أو أنت مفديّ بأبي وأمي، (ذرْنِي)؛ أي: (اتركني فَلأُسَابِقَ الرَّجُلَ) وفي بعض النسخ: "فلأَسْبِقَ الرجل"، وهو منصوب بلام "كي"، على زيادة الفاء، أو اللام زائدة، والفاء سببيّة، والفعل منصوب بعد الفاء السببيّة بـ "إن" مضمرة وجوبًا، كما مرّ قريبًا. (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("إِنْ شِئْتَ" أي: إن شئت أن تسابقه، فافعل، قال النوويّ رَحمه اللهُ: وفي هذا دليلٌ لجواز المسابقة على الأقدام، وهو جائز بلا خلاف، إذا تسابقا بلا عِوَضٍ، فإن تسابقا على عوض، ففي صحّتها خلافٌ، والأصحّ عند الشافعيّة لا تصحّ. انتهى (٤).

(قَالَ) سلمة (قُلْتُ: اذْهَبْ) هذا خطاب للرجل الطالب للمسابقة؛ أي: اشرع في العدو، وقوله: (إِلَيْكَ) متعلّق بـ "اذهب"؛ أي: اذهب إلى الجهة التي تريد المسابقة فيها، ويَحْتَمِل أن يكون "إِليك" اسم فعل، بمعنى: تنحّ، وأبعُد عني، حتى ينفصل جريك عن جرصي، وهذا من شدّة وثوق سلمة - رضي الله عنه - بأن هذا المتسابق لا يغلبه، وقد وقع كذلك.


(١) قوله: "يرأب"؛ أي: يصلح، وقوله: "ما أثأت"؛ أي: ما أفسدت.
(٢) راجع: "مغني اللبيب" ١/ ١٤٤ - ١٤٦.
(٣) "المفهم" ٣/ ٦٧٩.
(٤) "شرح النوويّ" ١٢/ ١٨٣.