للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: "اذهب إليك": قيّدناه على من يوثق بعلمه على الأمر؛ أي: انفُذ لوجهك، وخذ في الجري، يقوله سلمة، وهو راكب خلف النبيّ - صلى الله عليه وسلم - للرَّجل الذي قال: ألا مسابق، ولذلك قال: وثنيت رجليّ؛ أي: نزلت عن ظهر العضباء، و"إليك" على هذا معمول لـ "اذهب"؛ أي: انفذ لوجهك. انتهى (١).

(وَثَنَيْتُ رِجْلَيَّ)؛ أي: عطَفتهما؛ لأتمكّن من الجري، (فَطَفَرْتُ)؛ أي: وثبت، وقفزت، قال الفيّوميّ رحمهُ اللهُ: طَفَرَ طَفْرًا، من باب ضرب، وطُفُورًا أيضًا، والطَّفْرة أخصّ من الطَّفْر، وهو الوثوب في ارتفاع، كما يَطْفِرُ الإنسان الحائطَ إلى ما وراءه، قاله الأزهريّ وغيره، وزاد الْمُطَرّزيّ على ذلك، فقال: ويدلّ على أنه وَثْبٌ خاصّ قول الفقهاء: زالت بَكَارتها بوثْبَةٍ، أو طَفْرة، وقيل: الوَثْبةُ من فوقُ، والطَّفْرة إلى فوقُ. انتهى (٢).

(فَعَدَوْتُ)؛ أي: أسرعتُ. (قَالَ) سلمة (فَرَبَطْتُ عَلَيْهِ)؛ أي: حَبَستُ نفسي عن الجري الشديد، (شَرَفًا، أَوْ شَرَفَيْنِ) الشرَفُ بفتحتين: ما ارتفع من الأرض، قاله النوويّ، وقال القرطبيّ: أي: طَلَقًا، أو طَلَقَين، والطّلَق بفتحتين: الشوط الواحد من سباق الخيل، وقال الفيّوميّ: الطلق بفتحتين: جَرْيُ الفرس، لا تحتبس إلى الغاية، فيقال: عَدَا الفرسُ طَلَقًا، أو طَلَقين، كما يقال: شَوْطًا، أو شَوْطين. انتهى (٣).

والمراد أنه حبس نفسه مقدار شَرَف، أو شرفين، ثم جرى بعده، وفسّر القرطبيّ: "ربطت" بشددت عليه، والظاهر أنه غير مناسب، بل ظاهر السياق يؤيّد تفسيره بحبستُ، فتأمل بالإمعان.

(أَسْتَبْقِي نَفَسِي) بفتح الفاء؛ يعني: أنه حبس نَفَسه؛ إبقاء له، لئلا ينقطع من شدّة الجري، والمراد أنه لم يبذل في بداية الأمر قصارى قوّته في الجري؛ لئلا ينقطع نفسه، بل استبقاه؛ ليتمكّن من الإسراع عندما يقترب من الرجل.

وقال القرطبيّ: قوله: "أستبقي نفسي" رويناه بفتح الفاء، وسكونها، ففي


(١) "المفهم" ٣/ ٦٨٠.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٣٧٤.
(٣) "المصباح المنير" ٢/ ٣٧٦ - ٣٧٧.