للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حرام الأنصاريّ الخزرجيّ، مشهور بكنيته، من كبار الصحابة، شَهِدَ بدرًا، وما بعدها، مات سنة (٣٤ هـ) تقدّم في "الحيض" ٧/ ٧٢٠. (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذِهِ أُمُّ سُلَيْم، مَعَهَا خَنْجَرٌ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا هَذَا الْخَنْجَرُ؟ "، قَالَت) أم سليم (اتَّخَذْتُهُ إِنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، بَقَرْتُ)؛ أي: شققت (بِهِ بَطْنَهُ، فَجَعَلَ)؛ أي: شَرَع، وأخذ (رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَضْحَكُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ اقْتُلْ مَنْ بَعْدَنَا)؛ أي: الذين أسلموا بعد إسلامنا بمدّة طويلة، وهو يوم الفتح، (مِنَ الطُّلَقَاءِ) - بضم الطاء، وفتح اللام - وهم الذين أسلموا من أهل مكة يوم الفتح، سُمُّوا بذلك؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مَنَّ عليهم، وأطلقهم، وقال لهم: "اذهبوا، فأنتم الطلقاء"، وكان في إسلامهم ضَعف، فاعتقدت أم سليم أنهم منافقون، وأنهم استحقّوا القتل بانهزامهم، وغيره. (انْهَزَمُوا بِكَ) الباء بمعنى "عن"؛ أي: انهزموا عنك على حدّ قوله تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (٥٩)} [الفرقان]؛ أي: عنه، وقوله تعالى: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد: ١٢]؛ أي: عن أيمانهم، ومنه قول ابن دُريد:

وَسَائِلِي بِمُزْعِجِي عَنْ وَطَنِي … مَا ضَاقَ بِي جَنَابُهُ وَلَا نَبَا

ويَحْتَمِل أن تكون للسببيّة؛ أي: انهزموا بسببك؛ لنفاقهم، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ - صلى الله عليه وسلم -: قولها: "انهزموا بك"؛ أي: انهزموا حتى اتَّصَلت هزيمتُهم بك، أو انهزموا عنك، بمعنى فرُّوا، مُنْكِرة ذلك عليهم، ومُقَبِّحةً لما فعلوا، ظانَّةً أنهم يستحقون القتل على ذلك، وبأنهم لم يتحققوا في الإسلام. انتهى (١).

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يا أُمَّ سُلَيْم، إِنَّ اللهَ قَدْ كفَى)؛ أي: كفانا الله - عز وجل - شرّ المشركين، والمنافقين، وشرّ كلّ من يكيد للإسلام، والمسلمين، (وَأَحْسَنَ") إلينا حيث فتح الله علينا فتحًا مبينًا، ونصرنا على أعدائنا نصرًا عزيزًا، وأراد - صلى الله عليه وسلم - بذلك أنه لم يُصب المسلمين بانهزامهم ضرر، بل كانت العاقبة لنا، كما وعد الله - عز وجل - بذلك، فقال: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١)} [غافر: ٥١]، وقال: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا


(١) "المفهم" ٣/ ٦٨٤.