والجملة حال من "شَفَته"؛ أي: حال كونها منزوية، أو مرتفعةً بسبب وضع السواك تحتها.
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "قَلَصَتْ"؛ أي: تقبَّضتْ، وقَصُرتْ، وكأنَّ السِّواك كان فيه قَبْضٌ، أو يكون النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبض شفته؛ ليتمَكَّن من تسويك أسنانه. انتهى (١).
(فَقَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمّا رأى حرصهما على العمل، وخشي عدم قيامهما بما يجب عليهما تجاهه ("لَنْ، أَو) قال (لَا) فـ "أو" للشكّ من الراوي، (نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ)؛ أي: طَلَبه، وفي رواية بُريد الماضية: "فقال: إنا والله لا نُوَلِّي على هذا العمل من سأله، ولا أحدًا حَرَصَ عليه".
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن سبب منعه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهما من العمل خوف الخيانة منهما؛ لأنَّ الحرص عليه يحملهما على الجور والظلم، والله أعلم.
ثم بعد مَنْعهما لِمَا ذُكر قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للذي لَمْ يطلب العمل، وهو أبو موسى الأشعريّ - رضي الله عنه -:
(وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنتَ يَا أَبا مُوسَى، أَو يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسِ") "أو" للشكّ من الراوي، كما سبق قريبًا. (فَبَعَثَهُ)؛ أي: أرسل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا موسى - رضي الله عنه - واليًا (عَلَى الْيَمَنِ) - بفتحتين -: الإقليم المعروف، سُمّي به لأنه عن يمين الشمس عند طلوعها، وقيل: لأنه عن يمين الكعبة، والنسبة إليها: يمني على القياس، ويَمَانٍ، بالألف على غير قياس، وعلى هذا ففي الياء مذهبان: أحدهما: وهو الأشهر تخفيفها، واقتصر عليه كثيرون، وبعضهم يُنكر التثقيل، لأنَّ الألِف عِوَض عنه، فلا يُجمع بينهما، والثاني: التثقيل، أفاده في "المصباح".
(ثُمَّ أَتبَعَهُ) بهمزة القطع، من الإتباع؛ أي: أتبع النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا موسى - رضي الله عنه - (مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ) ابن عمرو بن أوس بن عائذ بن عديّ بن كعب الأنصاريّ الخزرجيّ، أبو عبد الرَّحمن المدنيّ، أسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة، وشهد بدرًا، والمشاهد، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: كنا نشبّهه بإبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَام -، وكان أمة