للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يمين الرَّحمن" صفة أخرى لـ "منابر" مبيّنة للرتبة والمنزلة، ويجوز أن يكون حالًا بعد حال على التداخل، وقوله: "يمين الرَّحمن" بعد قوله: "عند الله" تقييد بعد إطلاق، وتخصيص بعد تعميم؛ لوضع "الرَّحمن" موضع "الله"، وقد سبق أن اسم الله جامع لجميع صفات الجلال والإكرام، و"الرحمن" من صفة الإكرام، فدلّ اليمين على أنَّ الله تعالى يفيض عليهم حينئذ من جلائل نعمه، وفضائل إحسانه ما لا يُحصر، فيكون قوله: "وكلتا يديه يمين" تذييلًا للكلام السابق، فعلى هذا فاللام في "المقسطين" للتعريف، كما في الرجل، والفرس، ويجوز أن تكون موصولةً، وتكون الظروف كلّها متّصلات بالصلة، وخبرُ "إنّ" قوله: "الذين يعدلون وقوله: "وكلتا يديه يمين" معترضة بين اسم "إنّ"، وخبرها صيانةً لجلال الله وعظمته عما لا يليق به، قال أبو الطيّب [من الطويل]:

وَنَحْتَقِرُ الدُّنْيَا احْتِقَارَ مُجَرِّبٍ … نَرَى كُلَّ مَا فِيهَا وَحَشَاكَ فَانِيَا (١)

وقوله: (الَّذِينَ) خبر لمحذوف؛ أي: هم الذين (يَعْدِلُونَ) بكسر الدال، من العدل: وهو القصد في الأمور، وهو خلاف الجور، يقال: عَدَلَ في أمره عَدْلًا، من باب ضرب، وعَدَل على القوم عَدْلًا أيضًا (٢). (فِي حُكْمِهِمْ)؛ أي: في الحكم الذي يحكمون به للناس، أو عليهم. (وَأَهْلِيهِمْ) بالجرّ عطفًا على ما قبله؛ أي: يعدِلون في أهليهم، بمعنى أنهم يقومون تجاههم بما أوجب الله تعالى عليهم فيهم، في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} الآية [التحريم: ٦]، فيعلّمونهم دينهم، ويقومون بالإنفاق عليهم، وقوله: (وَمَا وَلُوا") بفتح الواو، وضمّ اللام المخفّفة، أصله: وَليُوا بكسر اللام، وضمّ الياء، بوزن علِموا، فنُقلت ضمة الياء إلى اللام بعد سَلْب حركتها؛ للاستثقال، ثم حُذفت الياء لالتقاء الساكِنَين، فصار وَلُوا، ومعنى: "وَلُوا"؛ أي: كانت لهم عليه ولاية، وعطْفه على ما قبله مِن عَطْف العامّ على الخاصّ.

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الذين يَعْدِلون في حكمهم، وأهليهم، وما وَلُوا": معناه: أن هذا الفضل إنما هو لمن عَدَل فيما تقلّده من خلافة، أو


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٥٧١.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٣٩٦.