خرج في سرية؛ أميرهم خالد بن الوليد، فأجاز عَمَّار رجلًا، فأبى خالد أن يُجِيزَ أمانَهُ، فأخبر بذلك النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأجاز أمان عَمَّار، ونهى أن يُجار على الأمير.
قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقول ابن عباس أشهر، وأصح، وأنسب، وعلى هذا: فأولو الأمرِ في الآية: هم الأمراء، وهو أظهر مِنْ قول من قال: هم العلماء؛ قاله الحسن، ومالك، وله وجه، وهو: أن الأمراء شَرْطهم أن يكونوا آمرين بما يقتضيه العلم، وكذلك كان أمراءُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحينئذٍ تجب طاعتهم، فلو أَمروا بما لا يقتضيه العلم حَرُمَتْ طاعتهم، فإذًا الحكم للعلماء، والأمرُ لهم بالأصالة، غير أنهم لهم الفتيا من غير جبر، وللأمير الفتيا والجبر، وهذان القولان أشبه ما قيل في هذه الآية.
وقوله:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية: {تَنَزَعْتُمْ}: اختلفتم، وأصله: التجاذب، والتعاطي، ومنه سُمِّي المستقيان متنازعين؛ لأنهما يتجاذبان الدّلو بالحبل، ولا شك أن المواجَه بهذا الخطاب الصحابة.
وعلى هذا فالمراد بقوله:{فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}؛ أي: انتظروا أن يُنزل الله فيه قرآنًا، أو يبيّن فيه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّة، وقيل: المراد الصحابة وغيرهم، والمعنى: أنَّ المرجِع عند التنازع كتاب الله، وسُنَّة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قاله قتادة.
وقوله:{ذَلِكَ خَيْرٌ}؛ أي: الردُّ إلى كتاب الله تعالى وسُنّة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خير من الردّ إلى التحاكم بالهوي، و {خَيْرٌ} للمفاضلة التي على منهاجِ قولهم: العسل أحلى من الخل، ومنه قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (٢٤)} [الفرقان: ٢٤]، و {خَيْرٌ} هنا بمعنى: الواجب؛ أي: ذلك الواجب عليكم، و {تَأْوِيلًا}؛ أي: مآلًا، ومرجعًا؛ قاله قتادة وغيره. انتهى (١).
وقوله:(أَخْبَرَنِيهِ) هو من قول ابن جريجٍ، (يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) - رضي الله عنهما -، وفيه تقديم المتن على بعض السند، وهو جائز على الصحيح، وسيأتي بيانه في المسألة الثالثة - إن شاء الله تعالى -.