منهم وتُنكر" قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم دُعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها، قذفوه فيها"، قلت: يا رسول الله، صِفْهم لنا، فقال: "هم من جِلْدَتنا، ويتكلمون بألسنتنا"، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين، وإمامهم" قلت: فإن لم يكن لهم جماعة، ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تَعَضّ بأصل شجرة، حتى يُدركك الموت، وأنت على ذلك".
فهذا الحديث صريح في أن وجوب لزوم الجماعة إنما يكون إذا وُجدت الجماعة، وكان لها إمام، وأما إذا لم يكن كذلك، فالواجب اعتزال الفِرَق كلها، فرارًا بدينه، كما أمره به النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، والله تعالى أعلم بالصواب.
(المسألة الخامسة): في حكم الخروج على الأئمة لِظُلْمهم:
قال النوويّ - رحمه الله - ما حاصله: أجمع المسلمون على أن الخروج على الأئمّة وقتالهم حرام، وإن كانوا فَسَقةً ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السُّنَّة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق، وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل، وحُكِي عن المعتزلة أيضًا فَغَلَطٌ من قائله، مخالف للإجماع.
قال العلماء: وسبب عدم انعزاله، وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن، وإراقة الدماء، وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه.
قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل، قال: وكذا لو ترك إقامة الصلوات، والدعاء إليها، قال: وكذلك عند جمهورهم البدعة، قال: وقال بعض البصريين: تنعقد له، وتستدام له؛ لأنه متأوِّلٌ، قال القاضي: فلو طرأ عليه كفر، وتغيير للشرع، أو بدعة خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه، وخلعه، ونَصْب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر، ولا يجب في المبتدع، إلا إذا ظَنُّوا القدرة عليه، فإن تحققوا العجز لم يجب القيام، ولْيُهاجِر المسلم عن أرضه إلى غيرها، ويفِرّ بدينه، قال: ولا تنعقد لفاسق ابتداءً، فلو طرأ على