للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الخليفة فسق، قال بعضهم: يجب خلعه إلا إن تترتب عليه فتنة وحرب، وقال جماهير أهل السُّنَّة، من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين: لا ينعزل بالفسق، والظلم، وتعطيل الحقوق، ولا يُخلع، ولا يجوز الخروج عليه بذلك، بل يجب وعظه، وتخويفه؛ للأحاديث الواردة في ذلك.

قال القاضي: وقد ادَّعَى أبو بكر بن مجاهد في هذا الإجماع، وقد رَدَّ عليه بعضهم هذا بقيام الحسن، وابن الزبير، وأهل المدينة على بني أمية، وبقيام جماعة عظيمة من التابعين، والصدر الأول على الحَجَّاج مع ابن الأشعث، وتأول هذا القائل قوله: "أن لا ننازع الأمر أهله" في أئمة العدل.

وحجة الجمهور أن قيامهم على الحَجّاج ليس بمجرد الفسق، بل لِمَا غيّر من الشرع، وظاهَرَ من الكفر، كبيعه الأحرار، وتفضيله الخليفة على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقوله المشهور المنكَر في ذلك، قال القاضي: وقيل: إن هذا الخلاف كان أوّلًا، ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم، والله أعلم. انتهى (١).

وقال في "الفتح": ونقل ابن التين عن الداوديّ قال: الذي عليه العلماء في أمراء الْجَوْر أنه إن قُدِر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وَجَب، وإلا فالواجب الصبر، وعن بعضهم: لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداءً، فإن أَحدث جورًا بعد أن كان عدلًا، فاختلفوا في جواز الخروج عليه، والصحيح: المنع، إلا أن يكفر، فيجب الخروج عليه. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا القول الأخير المصحَّح عندي هو الحقّ، وحاصله أنه لا يجوز الخروج على الأئمة بأيّ نوع من أنواع الفسق، والظلم، إلا بصريح الكفر، وأما ما عداه، فإن أمكن إزالته بغير خروج عليه، فذاك، وإلا فلا يجوز الخروج عليه، وهذا هو الذي أوضحه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "إلا أن تروا كفرًا بواحًا، عندكم من الله فيه برهان"، والله تعالى أعلم بالصواب.

(المسألة السادسة): في حكم نصب الإمام:


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ٢٢٩ بزيادة من "إكمال المعلم" ٦/ ٢٤٧.
(٢) "فتح الباري" ١٣/ ٨.