قال الإمام ابن كثير - رحمه الله - في "تفسيره": وقد استدلّ القرطبي وغيره بهذه الآية (١) على وجوب نصب الخليفة؛ لِيَفْصِل بين الناس فيما اختلفوا فيه، ويقطع تنازعهم، وينتصر لمظلومهم من ظالمهم، ويقيم الحدود، ويزجر عن تعاطي الفواحش إلى غير ذلك، من الأمور المهمة التي لا تمكن إقامتها إلا بالإمام، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والإمامة تُنال بالنصّ كما يقوله طائفة من أهل السُّنَّة في أبي بكر، أو بالإيماء إليه، كما يقول آخرون منهم، أو باستخلاف الخليفة آخر بعده، كما فعل الصدِّيق بعمر بن الخطاب، أو بتركه شورى في جماعة صالحين كذلك، كما فعله عمر، أو باجتماع أهل الحلّ والعقد على مبايعته، أو بمبايعة واحد منهم له، فيجب التزامها عند الجمهور، وحَكَى على ذلك إمام الحرمين الإجماع، والله أعلم.
أو بقهر واحد الناس على طاعته فتجب؛ لئلا يؤدي ذلك إلى الشقاق والاختلاف، وقد نصّ عليه الشافعيّ، وهل يجب الإشهاد على عقد الإمامة؟ فيه خلاف، فمنهم من قال: لا يُشترط، وقيل: بلى، ويكفي شاهدان، وقال الجبائيّ: يجب أربعة، وعاقد ومعقود له، كما ترك عمر - رضي الله عنه - الأمر شورى بين ستة، فوقع الأمر على عاقد، وهو عبد الرحمن بن عوف، ومعقود له، وهو عثمان، واستنبط وجوب الأربعة الشهود من الأربعة الباقين، وفي هذا نظر، والله أعلم.
وبجب أن يكون ذَكرًا حرًّا بالغًا عاقلًا مسلمًا عدلًا مجتهدًا بصيرًا سليم الأعضاء، خبيرًا بالحروب، والآراء، قرشيًّا على الصحيح، ولا يشترط الهاشميّ، ولا المعصوم من الخطأ؛ خلافًا للغلاة الروافض، ولو فَسَق الإمام هل ينعزل أم لا؟ فيه خلاف، والصحيح أنه لا ينعزل؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إلا أن تروا كُفرًا بَوَاحًا، عندكم من الله فيه برهان"، وهل له أن يعزل نفسه؟ فيه خلاف، وقد عَزَل الحسن بن عليّ - رضي الله عنهما -، وسلَّم الأمر إلى معاوية، لكن هذا لعذر، وقد مُدِح على ذلك.
فأما نَصْبُ إمامين في الأرض، أو أكثر، فلا يجوز؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من