للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأقطار، وخِيْفَ ضَيْعَةُ البعيد من المسلمين، ولم يتمكن الواحد من ضبط أمور من بَعُدَ عنه؛ فقد ذكر بعضُ الأصوليين أنهم يُقيمون لأنفسهم واليًا يدبّرهم، ويستقلُّ بأمورهم، وقد ذكر أنَّ ذلك مذهب الشافعي في "الأم".

قال القرطبيّ: ويمكن أن يقال: إنهم يقيمون من يدبّر أمورهم على جهة النيابة عن الإمام الأعظم، لا أنّهم يخلعون الإمام المتقدم حُكمًا، ويُوَلُّونَ هذا بنفسه مستقلًا، هذا ما لا يوجد نصًّا عن أحدٍ ممن يُعتبر قوله، والذي يمكن أن يُفعل في مثل هذا؛ إذا تعذر الوصول إلى الإمام الأعظم أن يُقيموا لأنفسهم من يدبّرهم ممن يعترفُ للإمام بالسَّمع والطَّاعة، فمتى أمكنهم الوصول إلى الإمام، فالأمر له في إبقاء ذلك أو عَزْلِه.

ثم للإمام أن يفوِّض لأهل الأقاليم البعيدة التفويض العام، ويجعل للوالي عليهم الاستقلال بالأُمور كلِّها؛ لتعذّر المراجعة عليهم، كما قد اتَّفَق لأهل الأندلس، وأقصى بلاد العجم، فأمَّا لو عُقِدتْ البيعةُ لإمامين معًا في وقتٍ واحدٍ في بلدين متقاربين، فالإمامة لأرجحهما، وهل قرابة أحدهما من الإمام المتوفى موجبة للرجحان أم لا؟ اختلفوا فيه؛ فمنهم من قال: يُقَدّم الأقعد، فالأقعد به؛ كولاية النكاح، ومنهم من لم يعتبر ذلك، وفرَّق بين الولايتين، والفرق واضحٌ، فأمَّا لو تساويا من كل وجه فَيُقْرعُ بينهما، والفرض في اثنين كل واحد منهما كامل أهلية الإمامة، باجتماع الشروط المعتبَرة المنصوص عليها في كتب أئمتنا المتكلمين. انتهى (١).

(وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ) قال الطيبيّ - رحمه الله -: هذا كالبدل من قوله: "فُوا ببيعة الأول"؛ أي: أطيعوهم، وعاشروهم بالسمع والطاعة، فان الله يحاسبهم على ما يفعلونه بكم.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "أعطوهم حقهم"؛ يعني به: السَّمع، والطاعة، والذَّبَّ عنهم عِرضًا، ونفسًا، والاحترام، والنُّصرة لهم على مَنْ بَغَى عليهم (٢).

(فَإِنَّ اللهَ سَائِلُهُمْ) قال الطيبيّ - رحمه الله -: هذا تعليل للأمر بإعطائهم حقّهم،


(١) "المفهم" ٤/ ٤٩ - ٥٠.
(٢) "المفهم" ٤/ ٥٠.