للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأمّة، واستقامة أمرها، وعافية دينها، فلمّا قُتل عثمان - رضي الله عنه - ماجت الفتن، كموج البحر، وتتابعت كقِطَع الليل المظلم، ثم لم تزل، ولا تزال متواليةً إلى يوم القيامة، وعلى هذا فأول آخر هذه الأمة المعنيّ في هذا الحديث مقتل عثمان - رضي الله عنه -، وهو آخرٌ بالنسبة إلى ما قبله، من زمان الاستقامة والعافية، وقد دلّ على هذا قوله: "وأمورٌ تنكرونها"، والخطاب لأصحابه، فدلّ على أن منهم من يُدرك أوّل ما سمّاه آخرًا، وكذلك كان. انتهى كلام القرطبيّ (١).

قال الجامع عفا الله عنه: كان الأَولى للقرطبيّ أن يجعل مقتل عمر - رضي الله عنه - مبدأ الفتن، كما هو منصوص عليه في حديث حذيفة الذي ذكره حين سأل عمر عن الفتنة، قال حذيفة - رضي الله عنه -: كنا جلوسًا عند عمر - رضي الله عنه -، فقال: أيكم يحفظ قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفتنة؟ قلت: أنا، كما قاله، قال: إنك عليه أو عليها لجريء، قلت: فتنة الرجل في أهله، وماله، وولده، وجاره، تكفّرها الصلاة، والصوم، والصدقة، والأمر، والنهي، قال: ليس هذا أريد، ولكن الفتنة التي تموج كما يموج البحر، قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابًا مغلقًا، قال: أيُكسَر أم يُفْتَح؟ قال: يكسر، قال: إذًا لا يُغْلَق أبدًا،. . . الحديث.

وقد فسّر البابَ حذيفةُ بأنه عمر - رضي الله عنه -، فأفاد أن ابتداء الفتن هو موت عمر - رضي الله عنه -، لا موت عثمان - رضي الله عنه -، فتبصّر، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

(وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ، فَيُرَقِّقُ (٢) بَعْضُهَا بَعْضًا) قال النوويّ - رحمه الله -: هذه اللفظة رُويت على أوجه:

[أحدها]: وهو الذي نقله القاضي عن جمهور الرواة: يُرقّق بضمّ الياء، وفتح الراء، وبقافين: أن يَصِير بعضها رقيقًا؛ أي: خفيفًا؛ لِعِظَم ما بعده، فالثاني يَجعل الأول رقيقًا. وقيل: معناه: يُشبه بعضها بعضًا، وقيل: يدور بعضها في بعض، ويذهب، ويجيء، وقيل: معناه: يسوق بعضها إلى بعض بتحسينها، وتسويلها.


(١) "المفهم" ٤/ ٥١.
(٢) وفي نسخة: "فيرفُق"، وفي أخرى: "فيدفق"، وفي أخرى: "فيدقّق".