للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[والوجه الثاني]: فيَرْفُقُ بفتح الياء، وإسكان الراء، وبعدها فاء مضمومة.

[والثالث]: فيَدْفِقُ بالدال المهملة الساكنة، وبالفاء المكسورة؛ أي: يدفع، ويصبّ، والدفق: الصبّ. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "فَيَدْفِقُ بعضها بعضًا": الرواية: "يَدْفِق" بالتخفيف، وفتح الياء، هذه رواية الطبريّ، عن الفارسيّ، ومعنى: فيدفق: يدفع، والدَّفْقُ: الدَّفْعُ، ومنه: الماء الدَّافِق، ويعني: أنها كموج البحر الذي يَدْفِق بعضه بعضًا، وشُبِّه المؤمنُ في هذه الفتن بالعائِم الغريق بين الأمواج، فإذا أقبلت عليه موجة قال: هذه مهلكتي، ثم تروح عنه تلك، فتأتيه أخرى، فيقول: هذه، هذه إلى أن يَغْرَق بالكلّية، وهذا تشبيه واقع، ورواه أكثر الرُّواة: "يُرَقِّقُ" بالراء المفتوحة، والقاف الأولى المكسورة؛ أي: يُسَبِّبُ بعضها بعضًا، ويشيرُ إليه. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: حاصل المعنى: أن المتأخّرة من تلك الفتن أعظم من المتقدّمة، فتصير المتقدّمة بالنسبة للمتأخّرة هيّنةً خفيفة، أعاذنا الله تعالى من جميع الفتن، ما ظهر منها وما بطن، إنه رؤوف رحيم.

(وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي) يَحْتَمِل أن يكون بضم الميم، وكسر اللام، بصيغة اسم الفاعل، وأن يكون بفتح الميم، واللام، ظرفًا؛ أي: هذه الفتنة محل هلاكي، أو زمانه. (ثُمَّ تَنْكَشِفُ)؛ أي: تزول تلك الفتنة، (وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ) غير هذه، (فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ، هَذِهِ)؛ أي: هذه مهلكتي، وهذه مهلكتي، وفي رواية النسائيّ: "ثُمَّ تَجِيءُ، فَيَقُولُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ"، (فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ) ببناء الفعل للمفعول؛ أي: يُنحّى عنها، ويُباعَد منها (وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ) ببناء الفعل للمفعول أيضًا، ويَحْتَمِل هنا بناءه للفاعل، (فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ)؛ أي: موته، قال المجد - رحمه الله -: الْمَنَى - أي: بوزن الفَتَى -: الموت، كالْمَنِيّة. انتهى (٣)، وقوله: (وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) جملة في محلّ نصب على الحال، ولفظ النسائيّ: "فلتُدركه منيّته، وهو مؤمن بالله واليوم


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ٢٣٣.
(٢) "المفهم" ٤/ ٥١.
(٣) "القاموس المحيط" ص ١٢٤٥.