للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الآخر"، قال الأبيّ - رحمه الله -: هو إرشاد لعدم التلبّس بالفتنة؛ لأن الإيمان إنما يحصل بتحصيب خصاله، والتلبّسُ بخصاله مناف للفتنة. انتهى (١). (وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ)؛ أي: ليؤدّ إليهم، ويفعل بهم الشيء الذي يُحِبّ أن يَفعَلوه به، وقال القرطبيّ - رحمه الله -: أي: يجيء إلى الناس بحقوقهم من النصح، والنيّة الحسنة بمثل الذي يُحب أن يُجاء إليه به، وهذا مثلُ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يؤمن أحدكم حتى يُحبّ لأخيه ما يُحبّ لنفسه"، متّفقٌ عليه، والناس هنا: الأئمة، والأمراء، فيَجب عليه لهم من السمع، والطاعة، والنصرة، والنصيحة، مثل ما لو كان هو الأمير لكان يُحبّ أن يُجاء له به. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: "والناس هنا الأئمة إلخ" فيه نظرٌ لا يخفى، بل الأَولى كونه على عمومه، فالمراد بالناس جميع المسلمين، ومما يردّ عليه دعوى الخصوص هذا الحديث الذي مثّل هو به، فإنه صريح في العموم، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

(وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا) قال الأبيّ - رحمه الله - أي: من بايع إمامًا مباشرةً، أو باندراجه تحت من عَقَدها له من أهل الحلّ والعقد لزمت الجميع، كتب عليٌّ إلى معاوية - رضي الله عنهما -: أما بعد فإن بيعتي بالمدينة لزمتك، وأنت بالشام؛ لأنه بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يردّ. انتهى (٣).

(فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ)؛ أي: ضرب يده على يده عند المبايعة، وأصل الصفقة: الضرب بالكفّ على الكفّ، أو بأصبعين على الكفّ، وهو التصفيق، وقال ابن الأثير - رحمه الله -: الصفقة: المرّة من التصفيق باليد؛ لأن المتعاهدين يضع أحدهما يده في يد الآخر، كما يفعل المتبايعان. (وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ)؛ أي: خالص عهده، أو محبّته بقلبه، قال القرطبيّ - رحمه الله -: هذا يدلّ على أن البيعة لا يُكتَفَى فيها بمجرّد عقد اللسان فقط، بل لا بدّ من الضرب باليد، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: ١٠]،


(١) "شرح الأبّيّ" ٥/ ١٨٩.
(٢) "المفهم" ٤/ ٥٢.
(٣) "شرح الأبّيّ" ٥/ ١٨٩.