للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الدال المهملة، ثم الخاء المعجمة، بعدها نون - وهو الحقد، وقيل: الدَّغَلُ، وقيل: فساد في القلب، ومعنى الثلاثة متقارب، يشير إلى أن الخير الذي يجيء بعد الشرّ لا يكون خيرًا خالصًا، بل فيه كَدَرٌ، وقيل: المراد بالدَّخَن: الدُّخان، ويشير بذلك إلى كدر الحال، وقيل: الدخن كل أمر مكروه، وقال أبو عبيد: يفسر المراد بهذا الحديث الحديثُ الآخر: "لا ترجع قلوب قوم على ما كانت عليه"، وأصله أن يكون في لون الدابة كُدُورةٌ، فكأن المعنى: أن قلوبهم لا يصفو بعضها لبعض، ولا يزول خبثها، ولا ترجع إلى ما كانت عليه من الصفا (١).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "فهل بعد ذلك الشرّ من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن" بفتح الدال، والخاء لا غير، وهو عبارةٌ عن الكدر، ومنه قولهم: هُدْنَةٌ على دخنٍ، حَكَى معناه أبو عبيد، وقيل: هي لغة في الدُّخان، ومنه الحديث، وذكر فتنة فقال: "دَخَنُهَا من تحت قدمِي، رجلٌ من أهل بيتي. . ." (٢).

وقيل: إنَّ خبر حذيفة هذا إشارةٌ إلى مُدَّة عمر بن عبد العزيز، قال القرطبيّ: وفيه بُعْدٌ، بل الأَولى أن الإشارة بذلك إلى مُدّة خلافة معاوية، فإنها كانت تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر، وهي مدّة الهدنة التي كان فيها الدَّخن؛ لأنه لمّا بايع الحسنُ معاويةَ، واجتمع الناس عليه كره ذلك كثير من الناس بقلوبهم، وبقيت الكراهة فيهم، ولم تُمكِنُهم المخالفة في مدة معاوية، ولا إظهارها إلى زمن يزيد بن معاوية، فأظهرها كثير من الناس، ومدة خلافة معاوية كان الشرّ فيها قليلًا، والخير غالبًا، فعليهم يصدق قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تَعْرِف منهم، وتُنْكِر"، وأمَّا خلافة ابنه فهي أول الشرِّ الثالث، ويزيد، وأكثر ولاته، ومَن بعده من خلفاء بني أميةَ هم الذين يَصْدُق عليهم أنّهم: "دُعَاةٌ على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها"، فإنهم لم يسيروا بالسَّواء، ولا عدلوا في القضاء؛ يدلّ على ذلك تَصَفُّحُ أخبارهم، ومطالعة سِيَرهم، ولا يُعْتَرضُ على هذا بمدة خلافة


(١) "الفتح" ١٦/ ٤٨٥، كتاب "الفتن" رقم (٧٠٨٤).
(٢) رواه أحمد ٢/ ١٣٣، و"أبو داود" (٤٢٤٢).