للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد وصف في الحديث الراية بالْعمّيّة، والمراد وصفُ من اجتمع تحتها من الناس، والمعنى: من قاتل تحت راية اجتَمَعَ أهلها على أمر مجهول، لا يُعرف أهو حقّ، أو باطلٌ، يَدعون إليه، من غير بصيرة فيه، ولا حجة عليه.

وقال الطيبيّ - رحمه الله -: "تحت راية عمّيّة" كناية عن جماعة مجتمعين على أمر مجهول، لا يُعرف أنه حق، أو باطلٌ، فيَدعون الناس إليه، ويقاتِلون له، وأصله من التعمية، وهو التلبيس، ومعناه: يقاتل بغير بصيرة وعلم؛ تعصّبًا، كقتال الجاهلية، ولا يُعرف المحقّ من المبطل، وإنما يغضب لعصبيّة، لا لنصرة الدين، والعصبيّة إعانة قومه على الظلم. انتهى (١).

(يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ) الظاهر أن "أو" في الموضعين، للتنويع، أو هي بمعنى الواو، كما هو في رواية أخرى عند أبي عوانة، وعصبة الرجل أقاربه من جهة الأب، سُمُّوا بذلك لأنهم يَعصبونه، ويعتصب بهم؛ أي: يحيطون به، ويشتدّ بهم، والمعنى: يغضب، ويقاتِل، ويدعو غيره، لا لنصر الدين والحقّ، بل لمحض التعصّب لقومه، ولِهواه، كما يقاتِل أهل الجاهليّة، فإنهم إنما كانوا يقاتِلون لمحض العصبيّة.

وقال الطيبيّ - رحمه الله -: قوله: "بغضب لعصبيّة" حال، إما مؤكّدة إذا ذُهب إلى أن هذا الأمر في نفسه باطلٌ، أو منتقلةٌ إذا فُرض أنهم على الحقّ، وفيه أن من قاتل تعصّبًا، لا لإظهار دين الله، ولا لإعلاء كلمته، وإن كان المغضوب له محقًّا كان على الباطل. انتهى (٢).

(أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً) قال النوويّ - رحمه الله -: هذه الألفاظ الثلاثة بالعين، والصاد المهملتين، هذا هو الصواب المعروف في نسخ بلادنا، وغيرها، وحَكَى القاضي عن رواية العذريّ بِالْغَين، والضاد المعجمتين في الألفاظ الثلاثة، ومعناها: أنه يقاتِل لشهوة نفسه، وغَضَبه لها، ويؤيد الرواية الأولى الحديث


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٥٦١.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٥٦١.