للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: (وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ) قال النوويّ: معناه أن تحصيل الخير بسبب الهجرة قد انقطع بفتح مكة، ولكن حَصِّلوه بالجهاد، والنية الصالحة، وقال القرطبيّ: أي ولكن يبقى جهاد ونية، أو جهاد ونية باقيان؛ أي: نية في الجهاد، أو في فعل الخيرات (١).

وقال في "الفتح": المعنى أن وجوب الهجرة من مكة انقطع بفتحها؛ إذ صارت دار إسلام، ولكن بقي وجوب الجهاد على حاله عند الاحتياج إليه، وفسَّره بقوله: "فإذا استنفرتم فانفروا". انتهى.

وقال الطيبيّ: "لكن" تقتضي مخالفة ما بعدها لِمَا قبلها، فالمعنى أن مفارقة الأوطان لله تعالى، ورسوله - صلى الله عليه وسلم - التي هي الهجرة المعتبرة الفاضلة المميّزة لأهلها من سائر الناس امتيازًا ظاهرًا انقطعت، لكن المفارقة من الأوطان بسبب نيّة خالصة لله تعالى، كطلب العلم، والفرار بدينه من دار الكفر، أو مما لا يقام فيها الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وزيارة بيت الله الحرام، وحرم رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والمسجد الأقصى، وغيرها (٢)، أو بسبب الجهاد في سبيل الله باقية مدى الدهر. انتهى (٣).

وقوله: (وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ) بالبناء للمفعول؛ أي: طُلِب منكم الخروج للجهاد، (فَانْفِرُوا")، وقال النوويّ: معناه: إذا طلبكم الإمام للخروج إلى الجهاد فاخرجوا، وقال في "الفتح": أي: إذا دُعيتم إلى الغزو، فأجيبوا.

وقال الطيبيّ: قوله: "ولكن جهادٌ" عطف على مدخول "لا"؛ أي: الهجرة إما فرارًا من الكفار، وإما إلى الجهاد، وإما إلى نحو طلب العلم، وقد انقطعت الأولى، فاغتنموا الأخيرتين. انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث عائشة - رضي الله عنها - هذا متّفقٌ عليه.


(١) "المفهم" ٤/ ٧٠.
(٢) قوله: "وغيرها" شدّ الرحال لزيارة غير المساجد الثلاثة ممنوع، فليُتنبّه.
(٣) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٦٤٣.