للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

آخر الآية الثانية، وهو قوله: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}؛ فالمراد الآيتان، كما أسلفت تحقيقه آنفًا، فتنبّه.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: وقوله: {وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ} قال بعض المفسرين: بالوأْد، والإزلاق.

قلت (١): واللفط أعم مما ذكره؛ إذ يتناوله وغيره.

وقوله: {وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ}؛ أي: يفترينه، قيل في البهتان هذا: إنه السِّحْرُ، وقيل: النميمة، وقيل: الولد من غير الزوج بالالتقاط، أو الزنى، فتنسبه إلى الزوج، وقيل: النياحة، وخَمْش الوجه، وشَقّ الجيب، والدعاء بالويل، قال الكلبي: هو عامّ في كل أمرٍ. قال القرطبيّ: وهو الصحيح؛ لعموم لفظ البهتان فإنَّه نكرة في سياق النهي، ونِسْبَته إلى ما بين الأيدي والأرجل كناية عما يُفْعَل بجميع الأعضاء والجوارح من البهتان بين الأيدي والأرجل؛ لأنهما الأصل في أعمال الجوارح.

وقوله: {بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ}؛ أي: من قِبَل أنفسهنّ فكنى بالأيدي والأرجل عن الذات؛ لأن معظم الأفعال بهما، أو أن البهتان ناشئ عما يختلقه القلب الذي هو بين الأيدي والأرجل، ثم يُبرزه بلسانه، أو المعنى: لا تبهتن الناس بالمعايب كِفاحًا مواجهةً (٢).

وحَكَى أهل التفسير: أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لمّا فتح مكة جلس على الصَّفا، وبايع النساء، فتلا عليهنَّ الآية، فجاءت هند - امرأة أبي سفيان - متنكرةً، فلمَّا سمعت: {وَلَا يَسْرِقْنَ} قالت: قد سرقت من مال هذا الشيخ، قال أبو سفيان: ما أصبتِ فهو لك، ولَمَّا سمعت: {وَلَا يَزْنِينَ} قالت: وهل تزني الحرَّة؟ فقال عمر: لو كانت قلوب نساء العرب على قلب هند ما زنت امرأة منهنَّ، ولَمَّا سمعت: {وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ}، قالت: ربّيناهم صغارًا فقتلتموهم كبارًا، ولَمَّا سمعت: {وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ}، قالت: والله إن البهتان لأمرٍ قبيح، ما تأمر إلا بالرشد، ومكارم الأخلاق، ولمّا سمعت: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قالت: ما جلسنا هنا، وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء.


(١) القائل هو القرطبيّ.
(٢) "شرح الزرقانيّ" ٤/ ٥١٢.