فانطَلَق المطلوب ليحلف، فلم يكن انطلاقه إلَّا إلى المنبر؛ لأنه كان في المسجد، فلا بد أن يكون انطلاقه إلى موضع أخص منه.
٢٣ - (ومنها): أن فيه أن الحالف يَحْلِف قائمًا؛ لقوله:"فلما قام ليحلف"، وفيه نظرٌ؛ لأن المراد بقوله:"قام"، ما تقدّم من قوله:"انطلق ليحلف".
٢٤ - (ومنها): أن الإمام الشافعي - رَحِمَهُ اللهَ - استَدَلّ به على أن مَن أسلم وبيده مال لغيره، أنه يَرْجِع إلى مالكه إذا أثبته، وعن المالكيّة اختصاصه بما إذا كان المال لكافر، وأما إذا كان لمسلم، وأسلم عليه الذي هو بيده، فإنه يُقَرّ بيده، والحديث حجة عليهم.
٢٥ - (ومنها): "أن ابن المُنَيِّر - رَحِمَهُ اللهُ - قال: يُستفاد من الحديث أن الآية المذكورة في هذا الحديث، نَزَلت في نقض العهد، وأن اليمين الغَمُوس لا كفارة فيها؛ لأن نقض العهد لا كفارة فيه، كذا قال، وفيه نظرٌ؛ لأن غايته أنَّها دلالة اقتران.
٢٦ - (ومنها): أن النوويّ - رَحِمَهُ اللهَ - قال: يدخل في قوله: "من اقتَطَعَ حقَّ امرئ مسلم" مَن حَلَف على غير مال، كجِلْد الميتة، والسِّرْجين، وغيرهما، مما يُنْتَفَع به، وكذا سائر الحقوق، كنصيب الزوجة بالقَسْم، وأما التقييد بالمسلم، فلا يَدُلّ على عدم تحريم حقِّ الذميّ، بل هو حرام أيضًا، لكن لا يلزم أن تكون فيه هذه العقوبة العظيمة.
قال في "الفتح": وهو تأويل حسنٌ، لكن ليس في الحديث المذكور دلالة على تحريم حَقِّ الذميّ، بل ثبت بدليل آخر، والحاصل أن المسلم والذميّ لا يفترق الحكم في الأمر فيهما في اليمين الغَمُوس، والوعيد عليها، وفي أخذ حقّهما باطلًا، وإنما يفترق بالنسبة إليهما.
٢٧ - (ومنها): أن فيه بيان غِلَظ تحريم حقوق المسلمين، وأنه لا فرق بين قليل الحقّ وكثيره في ذلك، قاله النوويّ أيضًا.
قال في "الفتح": وكأنّ مراده عدم الفرق في غِلَظ التحريم، لا في مراتب الغِلَظ، وقد صَرَّح ابن عبد السلام في "القواعد" بالفرق بين القليل والكثير، وكذا بَيْنَ ما يترتب عليه كثير المفسدة وحقيرها، وقد وَرَدَ الوعيد في الحالف