للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الكاذب في حقّ الغير مطلقًا، في حديث أبي ذَرّ - رضي الله عنه -، مرفوعًا: "ثلاثةٌ لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم … "الحديث، وفيه: "والمنفق سِلْعته بالحلف الكاذب"، أخرجه مسلم، وله شاهد عند أحمد، وأبي داود، والترمذيّ من حديث أبي هريرة - صلى الله عليه وسلم - بلفظ: "ورجلٌ حَلَفَ على سِلْعته، بعد العصر كاذبًا". انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): قوله: (وَلَا ينظر الله إليه) قال في "الكشاف": هو كناية عن عدم الإحسان إليه عند مَنْ يُجَوِّز عليه النظر، مجازٌ عند من لا يُجَوِّزه. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: كلا التأويلين باطلان، أما الأول فإنه مذهب متأخري الأشاعرة الذين يؤولون الصفات، وأما الثاني فإنه مذهب المعتزلة الذين جمعوا بين نفي نظر المؤمنين لربهم، وبين تأويل الصفات، وهو مذهب الزمخشريّ، وكلاهما باطل.

قال القاضي عياض: الإعراض، والغضب، والسخط من الله تعالى هو إرادته إبعاد ذلك المغضوب عليه من رحمته، وتعذيبه، وإنكار فعله وذمّه، قال: فيكون ذلك من صفات الذات، ويرجع إلى الإرادة، أو الكلام، أو أن يَفعل بهم فعل المسخوط عليه المُعرِض عنه المغضوب عليه من النقمة والعذاب والإبعاد عن الرحمة، فيكون من صفات الفعل، وهي في المخلوق تغيُّر حاله لإرادة السوء، أو فعله بمن غَضِبَ عليه، والله جلّ اسمه يتعالى عن التغيّر، واختلاف الحال. انتهى كلام عياض، وتبعه النوويّ، وأقرّه عليه (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: هذه القاعدة التي ذكرها القاضي، وتبعه النوويّ عليها هي من المسائل التي خالف فيها متأخرو الأشاعرة مذهب السلف، وهي تأويل الصفات، وهي تحتاج إلى بيان، فأقول:

(اعلم أَوّلًا): أن صفات الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - تنقسم إلى قسمين: ثبوتيّةٌ، وسلبيّةٌ، فأما الثبوتيّة، فهي ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه، أو فيما صحّ على لسان


(١) "الفتح" ١١/ ٥٧١ - ٥٧٣ "كتاب الإيمان والنذور" رقم الحديث (٦٦٧٦ - ٦٦٧٧).
(٢) راجع: "إكمال المعلم" ١/ ٥٣٦ - ٥٣٨، و"شرح النوويّ" ٢/ ١٦٢.