للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

علمه، ونافذ حكمه، وعن هذا المعنى عبَّر بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} الآية [التوبة: ١١١]؛ لأن من اشترى شيئًا تعيّن عليه ثَمَنه، وكذلك مَنْ ضَمِنه. انتهى (١).

(أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ)؛ أي: بغير حساب، ولا عذاب، أو المراد: أن يدخله الجنة ساعةَ موته، كما ورد: "أن أرواح الشهداء تَسْرَح في الجنة"، وبهذا التقرير يندفع إيراد من قال: ظاهر الحديث التسوية بين الشهيد والراجع سالِمًا؛ لأن حصول الأجر يستلزم دخول الجنة، ومحصّل الجواب: أن المراد بدخول الجنة دخول خاصّ، قاله في "الفتح" (٢).

وقال القاضي عياض - رحمه الله -: يَحْتَمِل أن يَدخُل الجنة عند موته، كما قال تعالى في الشهداء: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: ١٦٩]، وفي الحديث: "أرواح الشهداء في الجنة"، قال: ويَحْتَمِل أن يكون المراد: دخوله الجنة عند دخول السابقين والمقربين، بلا حساب، ولا عذاب، ولا مؤاخذة بذنب، وتكون الشهادة مكفِّرةً لذنوبه، كما صُرِّح به في الحديث الصحيح. انتهى (٣).

(أَوْ أَرْجِعَهُ) بفتح حرف المضارعة؛ أي: أرُدّه، يقال: رَجَعَ من سفره، وعن الأمر يَرْجِعُ رَجْعًا، ورُجُوعًا، ورُجْعَى، ومَرْجِعًا، قال ابن السِّكِّيت: هو نقيض الذَّهَاب، ويتعدّى بنفسه، في اللغة الفصحى، فيقال: رَجَعْتُهُ عن الشيء، وإليه، ورَجَعْتُ الكلامَ وغيرَه؛ أي: رددته، وبها جاء القرآن، قال تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ} الآية [التوبة: ٨٣]، وهذيل تُعدِّيه بالألف، قاله الفيّوميّ (٤).

قال الجامع عفا الله عنه: المناسب هنا هو المتعدّي؛ لِعَمَله في ضمير من خرج، وهو منصوب على "أُدخله"، والله تعالى أعلم.

(إِلَى مَسْكَنِهِ) بفتح الكاف، وكسرها لغتان، حكاهما الجوهريّ وغيره، معناه: البيت، وجمعه مساكن، وقوله: (الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ) تأكيد؛ لِمَا جُبل عليه الإنسان من محبّة الوطن. (نَائِلًا) منصوب على الحال، وقوله: (مَا نَالَ) "ما"


(١) "المفهم" ٣/ ٧٠٥.
(٢) "الفتح" ٧/ ٤٥، كتاب "الجهاد" رقم (٢٧٨٧).
(٣) "إكمال المعلم" ٦/ ٢٩٤.
(٤) "المصباح المنير" ١/ ٢٢٠.