ما صححه مسلم غير مرّة، وقد نبّهت على ذلك في بعض المواضع، وإياك أن تغترّ بمثله، والله يتولّى هداي وهداك، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) - رضي الله عنه -، وفي الرواية التالية: عن قتادة قال: "سمعت أنس بن مالك"، فصرّح قتادة بالسماع. (عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) أنه (قَالَ: "مَا)، نافية (مِنْ) زائدة، كما قال في "الخلاصة":
(نَفْسٍ) وفي الرواية التالية: "ما من أحد"، (تَمُوتُ لَهَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا)، وقوله:(وَلَا أَنَّ لَهَا الدُّنْيَا)، جملة معطوفة على جملة "أنها ترجع"؛ أي: لا يسرّها رجوعها، ولا يسرّها أنها تملك الدنيا وما فيها، ووقع في بعض النسخ: "وأن لها الدنيا" بحذف "لا"، فالواو على هذا الوجه حاليّة، والمعنى: لا يسرّها رجوعها إلى الدنيا، حال كونها مالكةً للدنيا وما فيها، والظاهر أن ما في هذه النسخة ألْيق بالمقام، وأوضح في المعنى، والله تعالى أعلم.
والأقرب أن المراد بالدنيا: هي الأرض، يوضّح ذلك ما في الرواية التالية بلفظ: "ما مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ"، ولذا عَطَف عليها قوله:(وَمَا فِيهَا)؛ أي: من المنافع والملاذّ، والزخارف. (إِلَّا الشَّهِيدُ) رُوي بالرفع على أنه بدلٌ من "نفس" باعتبار محلّها؛ لأنها في محلّ رفع بالابتداء، ورُوي بالنصب على الاستثناء.
و"الشهيد": من قتله الكفّار في المعركة، فَعِيلٌ بمعنى مفعول؛ لأن ملائكة الرحمة شهِدت غسله، أو شهدت نقل روحه إلى الجنّة، أو لأن الله تعالى شَهِد له بالجنّة، قاله الفيّوميّ - رحمه الله - (١).
وقال القرطبيّ - رحمه الله -: سُمي الشهيد شهيدًا؛ لأنه يُرزق، ويُشاهِد الجنة، وما أكرمه الله تعالى به، وقيل: لأنه ممن يَشهَد على الأمم يوم القيامة، وقيل: لأن الله تعالى وملائكته شهدوا له بالرضا والرضوان، فعلى هذا يكون فعيل