للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الآية نزلت عند اختلافهم مشكل؛ لأنها إنما نزلت قبل ذلك مبطلةً لمن افتخر من المشركين بسقاية الحاجّ، وعمارة المسجد الحرام، قال السدّيّ: افتخر العبّاس بسقاية الحاجّ، وافتخر شيبة بعمارة المسجد الحرام، وافتخر عليّ بالإيمان والجهاد، فنزلت الآية مصدّقةً لعليّ، ومكذّبةً لهما، ويدلّ على أنها إنما نزلت في المشركين خَتْمها بقوله - سبحانه وتعالى -: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: ٢٥٨]؛ إذ لا يليق أن يقال للثلاثة الذين في الحديث في الذي اختلفوا فيه: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: ٨٦]، وأيضًا فإن الثلاثة المذكورين في الحديث لم يختلفوا في أن السقاية، والعمارة أفضل من الإيمان، والجهاد، وإنما اختلفوا في أي الأعمال أفضل بعد الإيمان؟، وإذا أشكل أن الآية نزلت عند اختلافهم، فيُحلّ الإشكال بأن يكون بعض الرواة تسامح في قوله: فأنزل الله الآية، وإنما الواقع أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأها على عمر - رضي الله عنه - حين سأله مستدلًّا بها على أن الجهاد أفضل مما قال أولئك، فظنّ الراوي أنها نزلت حينئذ.

[فإن قيل]: ما وجه تفضيل الجهاد من الآية، والردّ بها على الرجلين، فإنها إنما نزلت على نفي المساواة، ونفي المساواة بين أمرين لا يدلّ على تعيين الأرجح منهما، ولذا نجده ينصّ على تعيين الأرجح من الأمرين بعد نفي المساواة بينهما، كما في قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠)} [الحشر: ٢٠]، وهنا لم ينصّ؟

[قلت]: قد نصّ هنا على تعيينه بقوله بعده: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠)} [التوبة: ٢٠]؛ لأنه من تمام ما نزل، أو يقال: إن الآية وحدها كافية في بيان أن الجهاد أفضل دون نظر إلى ما بعدها؛ لأنها خرجت مخرج إنكار أن يكون كلّ واحد من الأمرين أفضل من الجهاد، وقد نُفيت المساواة بين أحدهما والجهاد، فيتعيّن أن يكون الجهاد أفضل، ولا يمكن أن يُدّعى أن السقاية، أو العمارة أفضل؛ لأنه المنكر (١).


(١) "شرح الأبيّ" ٥/ ٢٢٤ - ٢٢٥.