للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

({أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ})، قال النسفيّ - رحمه الله - في "تفسيره": السقاية والعمارة مصدران، مِنْ سَقَى، وعَمَر؛ كالصيانة والوقاية، ولا بد من مضاف محذوف تقديره: أجعلتم أهل سقاية الحاج، وعمارة المسجد الحرام، كمن آمن بالله؟ وقيل: المصدر بمعنى الفاعل، يصدّقه قراءة ابن الزبير: (سُقاة الحاج وعَمَرة المسجد الحرام)، والمعنى: إنكار أن يُشَبّه المشركون بالمؤمنين، وأعمالهم المحبطة بأعمالهم المثبتة، وأن يُسَوَّى بينهم، وجعل تسويتهم ظلمًا بعد ظلمهم بالكفر؛ لأنهم وضعوا المدح والفخر في غير موضعهما (١).

وقوله: (الآيَةَ إِلَى آخِرِهَا) بنصب "الآية" بفعل مقدّر؛ أي: اقرأ الآية إلى آخرها.

وقال أبو عبد الله القرطبيّ - رحمه الله - في "تفسيره": قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ} التقدير في العربية: أجعلتم أصحاب سقاية الحاج، أو أهل سقاية الحاج مثلَ من آمن بالله، وجاهد في سبيله؟ ويصح أن يقدّر الحذف في {مَنْ آمَن}؛ أي: أجعلتم عَمَلَ سقي الحاجّ كعمل من آمن؟ وقيل: التقدير: كإيمان من آمن.

والسقاية مصدر كالسعاية، والحماية، فجُعل الاسم بموضع المصدر؛ إذ عُلِم معناه، مثل: إنما السخاء حاتم، وإنما الشعر زهير.

وعمارة المسجد الحرام مثل {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢].

وقرأ أبو وجزة: "أجعلتم سُقاة الحاج وعَمَرة المسجد الحرام" سُقاة جمع ساق، والأصل: سُقَيَةٌ على فُعَلة، كذا يُجمع المعتل من هذا، نحو قاض وقُضاة وناس ونُساة، فإن لم يكن معتلًّا جُمع على فَعَلة نحو ناسئ ونَسَأة، للذين كانوا يَنسئون الشهور، وكذا قرأ ابن الزبير، وسعيد بن جبير: "سُقاة وعَمَرة"، إلا أن ابن جبير نصب "المسجدَ" على إرادة التنوين في "عَمَرة"، وقال الضحاك: سُقاية بضم السين، وهي لغة، والحاج اسم جنس الحجاج، وعمارة المسجد الحرام: معاهدته، والقيام بمصالحه.


(١) "تفسير النسفيّ" ١/ ٤٣٨.