وظاهر هذه الآية أنها مُبطلة قول من افتخر من المشركين بسقاية الحاجّ، وعمارة المسجد الحرام، كما ذكره السديّ، قال: افتخر عباس بالسقاية، وشيبة بالعمارة، وعليّ بالإسلام والجهاد، فصدّق الله عليًّا، وكذّبهما، وأخبر أن العمارة لا تكون بالكفر، وإنما تكون بالإيمان، والعبادة، وأداء الطاعة، وهذا بَيِّن لا غبار عليه.
ويقال: إن المشركين سألوا اليهود وقالوا: نحن سُقاة الحاج وعُمّار المسجد الحرام، أفنحن أفضل أَمْ محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم -؟ فقالت لهم اليهود عنادًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنتم أفضل.
وقد اعتُرِض هنا إشكال، وهو ما جاء في "صحيح مسلم" عن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: كنت عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وساق حديث الباب، ثم قال: وهذا المساق يقتضي أنها إنما نزلت عند اختلاف المسلمين في الأفضل من هذه الأعمال، وحينئذ لا يليق أن يقال لهم في آخر الآية:{وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، فتعيّن الإشكال.
وإزالته بأن يقال: إن بعض الرواة تسامَحَ في قوله، فأنزل الله الآية.
وإنما قرأ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الآية على عمر حين سألة، فظنّ الراوي أنها نزلت حينئذ.
واستدَلّ بها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على أن الجهاد أفضل مما قال أولئك الذين سمعهم عمر، فاستفتى لهم، فتلا عليه ما قد كان أنزل عليه، لا أنها نزلت في هؤلاء، والله أعلم.
فإن قيل: فعلى هذا يجوز الاستدلال على المسلمين بما أنزل في الكافرين، ومعلوم أن أحكامهم مختلفة.
قيل له: لا يُستبعد أن يُنتزَع مما أنزل الله في المشركين أحكام تليق بالمسلمين.
وقد قال عمر - رضي الله عنه -: إنا لو شئنا لاتخذنا سلائق (١) وشواء، وتوضع صحفة، وترفع أخرى، ولكنا سمعنا قول الله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ