للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحديث حجّة عليهم، إلا ترى أنه - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُكلّفه تحديد الأرض، ولا تعيينها، بل لَمّا كانت الدعوى متميِّزةً في نفسها اكتفَى بذلك، قاله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما ذهب إليه الإمام مالك - رَحِمَهُ اللهُ - في هذه المسألة هو الأرجح عندي؛ لظاهر الحديث، والله تعالى أعلم.

١١ - (ومنها): أنه يدلّ على اشتراط العدد في الشهادة، وعلى انحصار طُرُق الحِجَاج في الشاهد واليمين ما لَمْ يَنْكُل المُدَّعى عليه عن اليمين، فإن نكل حَلَف المُدَّعي مع شاهد واحد، واستحقّ المُدَّعى فيه، فإن نكل فلا يُحكم، بل يُترك المُدَّعَى فيه في يد من كان بيده، وسيأتي تحقيق الكلام في الشاهد واليمين في محلّه، إن شاء الله تعالى.

١٢ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "فانطلق ليحلف" دليل على أن اليمين لا تُبذَل أمام الحاكم، بل لها موضع مخصوص، وهو أعظم مواضع ذلك البلد، كالبيت بمكّة، ومِنبر النبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - بالمدينة، ومسجد بيت المقدس، وفي المساجد الجامعة من سائر الأمصار، لكن ذلك فيما ليس بتافه، وهو ما تُقطع فيه يد السارق، وهو أقلّ من ربع دينار عند مالك - رَحِمَهُ اللهُ -، فيحلف فيه حيث كان، مستقبل القبلة، وفي ربع دينار، فصاعدًا لا يَحلف إلَّا في تلك المواضع، وخالفه في ذلك أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ - في ذلك، فقال: لا تكون اليمين إلَّا حيث كان الحاكم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي في استنباط قوله: إن اليمين لا تُبذل أمام الحاكم، بل لها موضع مخصوص من هذا الحديث نظرٌ؛ إذ ليس فيه ما يدلّ على تعيّن هذه الأماكن، فالظاهر أن ما قاله الإمام أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ - هو الأرجح، فتأمّله، والله تعالى أعلم.

١٣ - (ومنها): أن المدّعَى عليه إذا حَلَفَ انقطعت حجّة - رَحِمَهُ اللهُ -، وبقي المدّعَى فيه بيده، وفي ملكه في ظاهر الأمر، غير أنه لا يَحكم له الحاكم بملك ذلك، فإن غايته أنه جائزٌ، ولم يجد ما يُزيله عن حَوْزه، فلو سأل المطلوب


(١) "المفهم" ١/ ٣٥٠.