للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تعجيز الطالب، جحيث لا تبقى له حجةٌ، فهل للحاكم تعجيزه، وقطع حجته، أم لا؟ قولان بالنفي والإثبات، قاله القرطبيّ.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: القول بالنفي هو الحقّ عندي؛ لأن يمين المدّعَى عليه مجرّد دفاع عن نفسه، لا إبطالٌ لحقّ خصمه، فلو وَجَدَ بعد ذلك حجة استحقّ عليه المدّعي، فتفّطن، والله تعالى أعلم.

١٤ - (ومنها): أن الوارث إذا ادَّعَى شيئًا لِمُوَرِّثه، وعَلِمَ الحاكم أن مُوَرِّثه مات، ولا وارث له سوى هذا المدَّعِي جاز له الحكم به، ولم يُكَلِّفه حال الدعوى بينة على ذلك، وموضع الدلالة أنه قال: غلبني على أرض لي كانت لأبي، فقد أقر بأنها كانت لأبيه، فلولا علم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بأنه وَرِثَها وحده لطالبه بينة على كونه وارثًا، ثم بيّنةً أُخرى على كونه مُحِقًّا في دعواه على خصمه.

[فإن قال قائل]: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "شاهداك" معناه: شاهداك على ما تستحقّ به انتزاعها، وإنما يكون ذلك بأن يشهدا بكونه وارثًا وحده، وأنه وَرِثَ الدار.

[فالجواب]: أن هذا خلاف الظاهر، ويجوز أن يكون مرادًا، قاله النووي - رَحِمَهُ اللهُ -.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله النوويّ من كون هذه الشهادة خلاف الظاهر، فيه نظر لا يخفي، بل الظاهر أنَّها لإثبات استحقاقه، وأن ما ادّعاه من كونها أرض أبيه، وأنه الوارث هو الظاهر.

ولقد أجاد القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - حيث قال: وظاهر هذا الحديث أن والد المدَّعِي قد كان تُوفّي، وأن الأرض صارت للمدَّعي بالميراث، ومع ذلك فلم يطالبه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بإثبات الموت، ولا بحصر الورثة، فيحتمل أن يقال: إن ذلك كان معلومًا عندهم، ويحتمل أن يقال: لا يلزمه إثبات شيء من ذلك ما لَمْ يناكره خصمه. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الاحتمال الثاني هو الظاهر، فلا يُعدَلُ عنه إلَّا لدليل أظهر منه.

والحاصل أن الحاكم يطالب المدّعي البيّنة على إثبات كونه صادقًا في


(١) "المفهم" ١/ ٣٤٧ - ٣٤٨.