المذكور من طريق آخر، من حديث الزهريّ، عن سهل بن سعد، عن مروان بن الحكم عنه، وهو إسناد اجتمع فيه ثلاثة من الصحابة - رضي الله عنهم -، يروي بعضهم عن بعض، ويدخل أيضًا في رواية الأكابر عن الأصاغر؛ لأن سهلا أكبر من مروان، ومروان وإن لم يثبت سماعه من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فهو معدود في الصحابة - رضي الله عنهم -، وقد أخرج له البخاريّ في "صحيحه" حديثًا عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مقرونًا بالمسور بن مخرمة، والله أعلم. انتهى كلام الحافظ رشيد الدين ابن العطّار - رحمه الله - (١).
قال الجامع عفا الله عنه: ما يُجاب به عن مسلم - رحمه الله -: أنه لا اعتراض عليه في هذا الحديث؛ لأنه أخرجه من حديث البراء - رضي الله عنه - متّصلًا، ثم أورده من حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه -، وفيه مجهول متابعةً، والمتابعة يُغتفر فيها ما لا يُغتفر في الأصول، على أن حديث زيد هذا ثابت صحيح، فقد أخرجه البخاريّ في "صحيحه"، فتنبّه.
ويَحْتَمِل أن يكون مسلم لم يُرد به الاحتجاج لا أصالةً، ولا متابعةً، وإنما أورده؛ لأنه سمعه كذلك من أصحاب غندر، وغندر سمعه من شعبة هكذا، فأورده كما سمعه؛ لكونه لا يرى الاختصار، وهذا هو الذي مشى عليه الحافظ العطّار في تحقيقه المذكور آنفًا، والله تعالى أعلم.
[تنبيه آخر]: أخرج البخاريّ في "صحيحه" من طريق ابن جريج، عن عبد الكريم الجزريّ، أن مِقسمًا مولى عبد الله بن الحارث أخبره أن ابن عباس - رضي الله عنهما - أخبره:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} عن بدر، والخارجون إلى بدر. انتهى.
قال في "الفتح": قوله: " {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} عن بدر، والخارجون إلى بدر" كذا أورده مختصرًا، وظن ابن التين أنه مغاير لحديثي سهل والبراء، فقال: القرآن ينزل في الشيء، ويشتمل على ما في معناه، وقد أخرجه الترمذيّ من طريق حجاج بن محمد، عن ابن جريج بهذا مثله، وزاد: "لمّا نزلت غزوة بدر، قال عبد الله بن جحش، وابن أم مكتوم الأعميان: يا رسول الله هل لنا رخصة، فنزلت: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ